المنهج لا الاشخاص ! .. د. محمد نوح القضاة
14-09-2012 05:49 AM
من يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يراسل الملوك يدعوهم إلى الاسلام يجد عبارة تتكرر في كل رسالة وهي: (أسلم تسلم يؤتك الله اجرك مرتين) والمقصود بالمرتين أجر الاسلام وأجر هداية الإتباع.
وعندما كانت تتم الفتوحات الاسلامية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده لم يكن من منهج النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده أن يغيروا اميراً عن امارته ولا زعيماً عن زعامته ولا شيخاً عن مشيخته بل كانت الدعوة الى تغيير المنهج لا تغيير الاشخاص. وشتان بين من يُلهّي نفسه بتغيير الاشخاص ومن يعمل الى تغيير المناهج.
فالمنهج هو الذي يعكس أثره على المجتمع سلباً و إيجاباً، فمنهج الامانة يؤدي الى وفر المال وانفاقه في وجوهه المستحقة، منهج العدالة يؤدي الى الرضا وتكافؤ الفرص وتوحيد القلوب وإزالة الإحتقان والايمان بالمستقبل والعمل للمصلحة العامة ، ومنهج المساءلة يؤدي الى الابداع ومراقبة الذات والبعد عن المصالح. وهذا كله لا يأتي من تغيير الاشخاص الذي طالما يعّول عليه بعض قصيري النظر. ولذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يركز على تغيير المنهج مع الابقاء على الاشخاص. فلطالما أثار تغيير الاشخاص أحقاد محبيهم وكدس العداوة بين محب ومبغض ومؤيد ومعارض فمحبة الاشخاص أمر فطري فعادة الناس ان يكون لهم محبون ومبغضون. وأما المنهج فهو الذي يؤمن للناس كرامة العيش وحسن التواصل.
إن منهج الاسلام - ولا أدري لم يخشاه بعضهم- يقوم على تقوى الله في الصغيرة والكبيرة ومحاسبة النفس وحرمة المال العام وأمانة المسؤولية والانفتاح على الآخرين وكلها قضايا متفرعة عن منهج وضعه الله عز وجل لتسير البشرية عليه فتتحقق مصالحها، وانّا لمنهج بشري ان يحقق مثل هذه المعطيات وقد خبرناها كلها.
إن التعويل على الأشخاص في إحداث التغيير من دون النظر إلى المنهج الذي يسيرون عليه يعد تعويلا منقوصا. ولا يعدو أن يكون اعجاباً آنيّاً لا يلبث أن يزول، فالاشخاص بغير مناهج يمنحونك خبرة من تجاربهم ويجعلون منك مجالاً لتجاربهم، ولا يقبل عاقل أن يكون مثالاً لتجارب الآخرين إلا أن يكون منزوع العقل أو قاصره. في الوقت الذي ترى أن اعجابنا بالصحابة رضي الله عنهم يزداد يوماً بعد يوم لا لاشخاصهم فنحن لم نرهم يوماً من الايام، ولكن الاعجاب من المنهج الذي اتبعوه فحققت عزة لا تخفى ورفعة لا تتدانى وأين رأيت هذه الانجازات من انجازات المعولين على الاشخاص وأقرب صورة لأصحاب المنهج الشخصي ما ذكره الله عز وجل عن تعامل الإنس مع الجن، فقال الله تبارك وتعالى حكاية عن هذا التعاون وفشله ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) سورة الجن. آية "6" .
إن المرحلة المقبلة تحتاج أن نسلك الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واثبت نجاعته وهو تغيير المنهج أما الإبقاء على منهجية تغيير الاشخاص فهو منهج يحتاج إلى تغيير.
reports@alarabalyawm.net
العرب اليوم