حتى لا يصبح الحراك مطية للفوضى وأصحابها
نصوح المجالي
13-09-2012 12:44 PM
عمون - ما سمي بالحراك ليس سوى التحرّك الشعبي المعبر عن حرية الرأي في كل ما يتعلق بهموم المواطنين ومطالب مناطقهم وشؤون الوطن والسياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المؤثرة في الحياة العامة.
والحراك أو التحرّك الشعبي تعبير عن احتجاج المواطنين على جوانب سلبية في السياسات العامة ودعوة صريحة للاستماع لرأي الشعب في كل ما يتعلق بشؤونه ووظيفته تحريك البركة الراكدة, للتعبير عن الوعي العام حتى يصل هذا التحريك الى الآلية التي تحقق الغرض وهي الحوار المنظم العادل الذي يقوم على دراية ومعلومات وخبرة في الشأن العام.
فالحراك مدخل للحوار لكنه ليس بديلاً عن الحوار وهو تعبير عن الرأي العام بكل اطيافه في قضايا محددة, لكنه ليس وظيفة ولا حرفةً, لنأخذ مثلاً قضية نقابة المعلمين التي بدأت بحراك شعبي يطالب بهدف محدد كان امامه عقبات بعضها وصف في حينها بأنه عائق دستوري, هذا الحراك بدأ بتحرك شعبي وتحرك اعلامي مساند, ومفاوضات جادة وحوار حول اهداف محددة تم تجاوزها جميعاً, الى ان تحوّل هذا الحراك الى بناء نقابة وآلية منظمة تتابع مصالح وحقوق المعلمين, والنتيجة كسب المعلمون ولم يخسر الوطن.
المشكلة ليست في الحراك الشعبي ولكن في الفوضى التي تركب موجة الحراك الشعبي, وتقوده الى الانفلات والصدام.
وهذه الظاهرة تنطبق على الاعلام أيضاً وعلى الاحزاب التي تترك قيادتها لمحترفي الفوضى او العنف والتطرف, فالتجاوز موجود في كل شيء, في الحراك الشعبي والتطرف الحزبي وفي بعض اشكال النشاط الاعلامي وفي اولئك الذين يعتقدون أنه آن الاوان لأن يأخذوا تطبيق القانون واصدار الاحكام على الاخرين بأيديهم, ومنهم اولئك الذين نقلوا الحراك الى أبواب المواطنين.
الحراك الشعبي جزء من تقاليد الحياة الديمقراطية اذا استخدم في موضعه وحق الناس في أن يوصلوا صوتهم لدولتهم وهو جزء من الوعي الذي يبني رأياً عاماً واعياً, وعادة تقوم بالحراك الشعبي احزاب منظمة واضحة الاهداف وتيارات ولديها القدرة على الحوار المنظم مع اصحاب القرار, ولديها برامج سياسية واجتماعية تدافع عنها, والهدفُ البناء وليس الهدم, فالقوى الاجتماعية السياسية الفاعلة تقود الحراك والحوار وليس الهواة.
اما أن يقود الحراك ويطفو على سطحه من يحترفون مهنة الحراك وقد تكون مصدر سطوتهم ورزقهم ومن لا يملكون سوى السباب والشتائم والجرأة في التجني ورفع سقوف الاتهامات والتشهير فهذا لا يخدم الحراك الشعبي ولا يضيف اليه سوى ثقافة الرداءة. فالرداءة لا تصنع رأيا عاماً وانما تضلل الرأي العام.
الديمقراطية وقوة الرأي العام تصل الى اهدافها بثقافة الجودة والرأي الجماعي المنظم وليس برداءة الاداء وتحويل الحراك الى تكية للفوضويين والمغامرين باسم الحراك.
للاسف، لقد تسربت ثقافة الرداءة الى كل شيء والى بعض قنوات الاعلام ولا اقول جميعها فهناك في قنوات الاعلام الجديد نفر من المتفلتين يستخدمون حق الرد لنهش كل صاحب رأي، فيأتي الرد في غير الموضوع المطروح، ويتعرض صاحب الرأي لاشكال من الاتهام والقهر والردح، تجعل اصحاب الرأي يحسبون ألف حساب قبل الادلاء برأيهم، فثقافة الرداءة التي لا تحترم الحقيقة تجعل الحراك والاعلام عرضة للاختراق، ومنصة للاساءة بدل ان تكون وسيلة من وسائل بناء الوعي، وبناء رأي عام يدافع عن قضايا جادة.
وعندما يستخدم القانون ضد المتطاولين باللسان، ممن لا يقدرون المسؤولية والاساءة يصبح الدفاع عن الرداءة قضية شعبية، وكأن الحراك مظلة لحماية المتطاولين من القانون مع ان الرداءة التي تستغل الحراك، هدفها وضع الحراك الشعبي في مواجهة الدولة وهذا اسوأ ما يمكن ان يحدث في بلد كالاردن حرص على سلمية الحراك، وحقن دماء المواطنين.
غياب التنظيم في مجتمعاتنا، وغياب المرجعيات الاجتماعية التي تحدد مطالب المناطق المختلفة، وتدفع بها للحوار والاصلاح، جعل من بعض عناصر الفوضى، مرجعيات ترهب الدولة والناس بالصوت العالي.
يفترض بالحراك الشعبي، ان يتخلص من كل المراهنين على الاساءة والرداءة في الاداء، لأن الرأي العام المنظم الواعي على أهدافه، الذي يُدار بمرجعيات عاقلة هو الاضافة الحقيقية، التي تجعل من الرأي العام قوة تغيبير وبناء حقيقة في الديمقراطية، ولن يطول الوقت قبل ان يضج الناس مطالبين بتطهير الحراك الشعبي من شبيحة الشتائم والإساءة.
الراي