إذا صح أن الاعتصام أسلوب ديقمراطي لإبداء الرأي، فإن التوقف عن العمل لمدة ساعة يكفي لتحقيق هذا الغرض ودعوة الرأي العام لدعم الموقف الذي جاء الاعتصام لطرحه دون إلحاق أضرار فادحة بالمصلحة العامة.
الاعتصامات التي نراها بالجملة يومياً لا تنتمي إلى عالم إبداء الرأي، وبالتالي ليست ديمقراطية ولا قانونية، وهي لا تهدف لإثبات وجهة نظر معينة، بل لاستخلاص منافع غير مشروعة بأسلوب الابتزاز، وإجبار الحكومة على الاستجابة للمطالب حماية للمصلحة العامة التي يهددها الاعتصام.
يتفاخر المعتصمون بتقدير الخسائر بالملايين التي تتحقق يومياً إذا استمر الاعتصام دون رضوخ الحكومة للمطالب التعسفية والأنانية. اي أن المعتصمين يتعاملون مع الخزينة كرهينة.
ما معنى الاعتصام المفتوح للعاملين في الخدمة العامة سواء كانت الكهرباء أو التعليم أو التمريض أو موظفي الدولة الذين يحظر القانون عليهم ممارسة الإضراب.
رضوخ الحكومة للابتزاز والاستجابة لمطالب غير منطقية قد ينهي مشكلة، ولكنه يفتح الباب لمشاكل أخرى، فإذا كان يحق لهذه الفئة أن تظفر بامتيازات شخصية هامة عن طريق الاعتصام وتهديد المصلحة العامة، فلماذا تسكت الفئات الأخرى، ولماذا لا تتبع نفس الأسلوب للحصول على نفس النتائج؟
هذه الممارسات الشاذة أعطت كلمة الاعتصام أسوأ صورة في أذهان الجميع، لا يدانيها في السوء سوى كلمة تصعيد، أي تهديد المصلحة العامة للحصول على مصالح خاصة.
يعرف القاصي والداني أن الأردن يمر بأوضاع مالية واقتصادية صعبة تدعو جميع من عندهم حس وطني أن يشعروا مع الوطن، ولا ينتهزوا الظروف الشاذة لنهش لحمه وامتصاص دمه.
أصبح مجتمعنا مجتمع الغنيمة، فالكل يريد أن ينتهز الفرصة السانحة للحصول على غنيمة غير مستحقة على حساب بؤس وفقر ومديونية الخزينة.
الحل السحري عند هؤلاء بسيط، وهو رفع شعار استرداد الأموال المنهوبة، وكأن من شأن ذلك إنهاء عجز الموازنة وتسديد المديونية وتلبية جميع طلبات المعتصمين.
لقد طفح الكيل وتحولت الاعتصامات المطلبية إلى اعتداءات مباشرة على الوطن والقانون والمصلحة العامة، واصبح السكوت على هذه الحالة نوعاً من المشاركة فيها وتشجيع المزيد منها.
الحكومة مطالبة بأخذ الموضوع جدياً، والتعامل معه بالتفاهم والأمن الناعم إن أمكن، وبقوة القانون والأمن الخشن إذا لزم، فهذا الوضع غير قابل للاستمرار.
الرأي