ثمة إصرار ممن يؤمنون بالنظرية التي تقول إن الحراك خف وخبت جذوة النار فيه، على توريط أنفسهم ومن يستمع إليهم عندما يتم التعامل مع القضية بسطحية مفرطة. ونتيجة لتلك القراءات، نجد أن هؤلاء المتورطين في هذا الشكل من التفكير يضعون سيناريوهات للتخلص من بضع عشرات تخرج في هذه المنطقة أو تلك!
ليس ذلك وحده؛ بل ثمة تحريض في أكثر من منبر إعلامي رسمي على الانقضاض على الحراك. وهذا ما لمسناه على الأقل في اليومين الماضيين؛ إذ كتب البعض مقالات تطالب بالقوة لكسر رأس الحراك وتهشيمه، ويتهدد ويتوعد النشطاء من يتبنى وجهة النظر تلك. فهل هذه طريقة للخروج من المأزق بصب الزيت على النار؟
الجواب بالضرورة سيكون بالنفي، لأن مبررات الخروج إلى الشارع من قبل الناشطين والقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة التي تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد، تقول إنها قد وصلت الى طريق مسدودة، وهذا بدوره يعني عدم التخلي عن الشارع للتعبير عن الحالة العامة التي وصل إليها البلد، وليس ثمة وسيلة أخرى يجري التعبير من خلالها إلا الشارع.
الفهم المجزوء للواقع، وتقديم صورة وردية حوله، هما اللذان يزيدان من احتقان الشارع. والتصعيد مع نشطاء الحراك واعتقالهم لن يكون الحل، بل سيؤدي إلى مزيد من الغضب، ومزيد من ردود الأفعال الغاضبة التي تعرف تماما أن مبررات غضبها لم تنته بل ثمة من يدفع بها إلى مزيد من التصعيد.
أشرنا منذ ما يزيد على العام ونصف العام، ومن هذا المنبر، إلى أن الشعارات يمكن تشبيهها بالكائن الحي؛ تنمو وتتطور إذا ما وجدت البيئة المناسبة التي تساعدها على التطور. وهذا ما حدث على مدار فترة العام ونصف العام الماضية؛ فليس ثمة بيئة إصلاحية مغايرة تغير من طبيعة الشعارات التي ترفع، التي قد لا نتفق مع بعضها، ولكنها حقيقة لا يتم التعاطي معها بخلق مزيد من الاحتقان وتغليظ القبضة الأمنية وعودة سياسة الاعتقالات. السياسة المطبقة هي التي أعادت الوهج للحراك الشعبي، ووسعت رقعته، وزادت عدد المشاركين فيه، وجعلت سقف الشعارات يرتفع. وهذا يدحض كل ما يكتب ويحلل ويقدم لأصحاب القرار بأن الحراك تحت السيطرة، وأن أعداده محدودة!
فكرة التصعيد مرفوضة ولا تحل المشكلة، بل تزيد من تعقيدها. وهذا يبرز في شكل التهم التي توجه لناشطي الحراك في الطفيلة التي تعبر عن حالة تخبط؛ فثمة تهمة جديدة تنسب لمعتقلي حراك الطفيلة تقول "التحريض على إثارة النعرات العنصرية". لكني وغيري كثيرون، لا نجد في كل الحراكات ما يثير النعرات العنصرية، فهل نحن نستوعب ما نفعل؟
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد