الأجواء السياسية بدت، خلال الأيام القليلة الماضية، ملبدة، ما ينبئ بأحداث سياسية مفصلية ومهمة، قرأها البعض على أنها اقتراب من نقطة الصفر التي تعني حل مجلس النواب، ورحيل الحكومة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
خلال اليومين الماضيين، تلبدت سماء مجلس النواب بإشاعات مختلفة، أبرزها وأهمها على الإطلاق تلك التي قالت بقرب حل المجلس، وأن النواب في أمتارهم الأخيرة، وأن الأسبوع المقبل أو نهاية الحالي سيشهد قرارات مفصلية تتعلق بالحل، وتهدي المراقبين والمتابعين إلى الطريق التي ستذهب فيها الدولة مستقبلا؛ فإما انتخابات مبكرة تجرى قبل نهاية العام، أو منح مزيد من الوقت لخلق توافق مجتمعي قبل الذهاب إلى الانتخابات المقبلة.
السيناريوهات التي يتم تداولها داخل غرف القرار، والتي يجري التبشير بها لاحقا، متعددة ومختلفة، بيد أن أبرزها وأكثرها توقعا يقول بحل مجلس النواب الأسبوع المقبل أو نهاية الحالي، ورحيل الحكومة بعد ذلك. ومن ثم، يتم الانتظار لقياس تأثير ذلك على التسجيل للانتخابات. ويلفت أصحاب هذا الرأي إلى أن "حل" المجلس سيؤدي إلى رفع نسبة المسجلين للانتخابات المقبلة، ويؤكد لكل المترددين في التسجيل أن النية متوفرة لإجراء الانتخابات، ولا نية للتأجيل أو المماطلة أو التعطيل.
السيناريو الثاني الذي يتحدث عنه البعض في الغرف المغلقة أيضا، يتمثل في فض الدورة الاستثنائية الحالية لمجلس الأمة، ومنح فرصة لقياس ما يجري بشأن موضوع التسجيل، وبموازاة ذلك فتح حوارات مع قوى مجتمعية فاعلة لإقناعها بالمشاركة في الانتخابات، وإحضار الجميع إلى طاولة حوار.
ولا يستبعد أصحاب هذا الرأي إمكانية إدخال تعديلات طفيفة على قانون الانتخاب، من خلال إضافة صوت ثان للناخب بخلاف صوت القائمة الوطنية؛ بمعنى أن يصبح للناخب ثلاثة أصوات: صوتان للدائرة، وصوت ثالث للقائمة الوطنية.
يقدم أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم باعتبارها قادرة على تحقيق توافق جمعي بين أطراف المجتمع ومؤسساته وأحزابه وقواه السياسية الحية، وأنه كفيل بالخروج بالبلاد والعباد من عنق الزجاجة إلى أماكن أرحب، وأكثر شمولية ومشاركة، وبالتالي تأمين أن يكون عمر المجلس المقبل أطول، وأن يكون ممثلا للجميع، ويحظى بمشاركة أوسع، وتحت قبته أطياف مجتمعية وحزبية وسياسية مختلفة.
ويقدم هؤلاء وجهة نظرهم من زاوية أخرى، باعتبار أن الوضع في البلاد لا يحتمل الذهاب إلى انتخابات نهاية العام، وأن أي حكومة قادمة، أو حتى الحالية، عليها قبل إرسال الناس إلى صندوق الاقتراع خلق أجواء رطبة، والابتعاد عن الجو المشحون المسيطر حاليا على كل المشهد الداخلي، والذي ينبئ بتسارع لا تحمد عقباه، ويؤشر إلى فقدان الحكومة السيطرة على بعض مفاصل الحياة الأساسية، ما جعل البعض، ومنهم رؤساء حكومات سابقون، يذهب باتجاه العصبيات القبلية بدلاً من حكم القانون الذي من الواجب أن يكون كافلا للجميع وحاميا للكل.
ولا يقف أصحاب هذا الرأي عند هذا الطرح؛ إذ عند سؤالهم في حال عدم موافقة الجميع على المشاركة في الانتخابات يجيبون: فلنفتح حوارا جديا، ومن يريد أن يجلس على الطاولة مرحب به، ومن لا يريد فذاك خياره، مستذكرين أن الرئيس الحالي للحكومة أغلق باب الحوار مع الجميع منذ اليوم الأول لتشكيله الحكومة، عندما قال إن الصوت الواحد لم "يدفن".
السيناريو الثالث الذي يطرحه فريق ثالث يقوم على إبقاء مجلس النواب الحالي، والدخول في دورة عادية ثالثة، وفي الوقت عينه فتح حوار مع الجميع ومنح مجال أوسع للهيئة المستقلة للانتخابات لكي تقوم بدورها بشكل أكثر مهنية وشمولية. وبالتالي، يكون هناك متسع من الوقت لفتح حوارات معمقة، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
بين تلك السيناريوهات، يوجد فريق لا يفكر إلا بالإقصاء، ولا يعترف بالرأي الآخر، ويريد إبعاد الآخر عن كل مناحي الحياة. وهذا الفريق لا يؤمن بالديمقراطية، ولا يهمه أين يذهب البلد، إذ لا يرى إلا مصلحته، ويقدم نفسه باعتباره حامي حمى الدولة. ومثل هؤلاء يهاجمون كل فكر آخر لا يلتقي معهم، ويقدمون كل وجهة نظر مخالفة باعتبارها رجسا من عمل الشيطان. وأرجو أن لا يكون مثل هؤلاء مقربين، وأن لا تكون كلمتهم مسموعة.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد