المجالي : الربيع العربي كرة لهب
10-09-2012 10:06 PM
عمون - تحدث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاعيان العين المهندس عبد الهادي المجالي في اجتماعات اتحاد البرلمان الاوروبي ظهر الاثنين في قبرص.
ووصف المجالي احداث الربيع العربي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ككرة اللهب , وقال المجالي ان هذه المناطق كانت تعاني من غياب الديمقراطيات الحقيقية والعميقة.
واضاف المجالي ان أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ضيعت فرصا كثيرة، وهاهي الفرصة تتجدد في ظل الربيع العربي، لتعيد بناء وعيها وتتفهم أن أفدح ظلم تعيشه منطقتنا وشعوبنا العربية والإسلامية، ويُشعرها بالغبن ويؤجج فيها مشاعر الكراهية والرغبة في الانقلاب والثورة على الواقع الراهن، هو الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، برضى أوروبا وأميركا، اللتين لم تفكرا، ولو مرة واحدة وجديا، بعمل ما ينهي هذا الظلم ويحقق السلام الذي يتيح لشعب فلسطين إقامة دولة مترابطة مستقلة تنعم بالسيادة وعاصمتها القدس الشريف.
وتاليا نص كلمة المجالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس المؤتمر المحترم
السادة الزملاء المحترمين، الحضور المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نناقش اليوم الأحداث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بلا شك، أحداث تؤثر في أوروبا وفي كل القارات ونتائجها وتداعياتها، ومن المؤكد، أنها ستؤثر في سياسات بلادنا وبلادكم لسنوات طويلة، فهي إما ستدخلنا في طور حضاري جديد مستقر وإيجابي، وإما ستدخلنا في طور حضاري جديد فوضوي وسلبي..
فما نفعله اليوم وما نمارسه، نحن وأنتم، من سياسات وأدوار، هو ما سيحدد، بالضبط، إلى أين تسير المنطقة، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما سيكون عليه حالكم في أوروبا، فبلادكم الأقرب إلى منطقتنا، جغرافيا وحضاريا، وحجم التأثير في واقعكم نتيجة واقعنا أكبر من تأثيره في واقع أي من بلاد وقارات العالم الأخرى..
إن ما يمكن تسميته بـ"الربيع العربي" المتدحرج ككرة لهب، وسياق الأحداث يكشف عن خلل في تقييمنا كعرب لواقعنا وفشلنا في قراءة المستقبل، تماما كما كشف غياب الرؤية الأوروبية لواقع المنطقة، الرؤية التي كان يفترض أن تقوم على أساس تقييم موضوعي وعقلاني لإشكاليات وأزمات تواجهها الشعوب العربية والإسلامية والدور الأوروبي المفترض للمساعدة في تجاوزها.
ولا شك، أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانا قبل "الربيع العربي" مناطق تعاني غياب الديمقراطيات الحقيقية والعميقة، ووقوعها تحت نفوذ أنظمة شمولية، بطريقة أو أخرى، أثر سلبا في كل النواحي وأدى إلى فشل السياسات الاقتصادية وأحدث خللا في البناء الاجتماعي.. حيث تعيش أغلب منطقتنا تفاقم الفقر والبطالة وضعف التنمية الشاملة وغياب العدالة والمساواة والفرص المتساوية، التي لو توافرت، على نحو مقنع، لأحدثت فرقا إيجابيا في صيرورتها ونظرتها لمحيطها القريب والبعيد.
لقد ضيعت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية فرصا كثيرة، وهاهي الفرصة تتجدد في ظل الربيع العربي، لتعيد بناء وعيها وتتفهم أن أفدح ظلم تعيشه منطقتنا وشعوبنا العربية والإسلامية، ويُشعرها بالغبن ويؤجج فيها مشاعر الكراهية والرغبة في الانقلاب والثورة على الواقع الراهن، هو الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، برضى أوروبا وأميركا، اللتين لم تفكرا، ولو مرة واحدة وجديا، بعمل ما ينهي هذا الظلم ويحقق السلام الذي يتيح لشعب فلسطين إقامة دولة مترابطة مستقلة تنعم بالسيادة وعاصمتها القدس الشريف.
الشعوب العربية ترى ضرب إسرائيل عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وكيف تهملها إهمالا كاملا ولا تقيم لها وزنا، وهو ما يعني أنها لا تقيم للامم المتحدة ومجلس أمنها والأعضاء فيهما وزنا، وأنها، وأقصد إسرائيل، مع كل ما تفعله تحظى بدعم غربي غير محدود، ما شجعها على التمادي في الظلم والتجاوز عن استحقاقات السلام.
إن الشعوب العربية، أمام هذا الواقع الاليم، تلوم قادتها وتحملهم مسؤولية الفشل في مساعدة الشعب الفلسطيني وفشلهم في إقناع اوروبا وأميركا وحضهما على التدخل لحماية وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية، ما عظم إنعدام الثقة بين هذه الشعوب وقادتها، وفاقَم الفجوة بينهما، تماما كما راكمت شعوبنا قناعة، بالتجربة، أن أوروبا تحتاج إلى تعظيم الثقة بها وفي دورها حتى يمكن الاتكال عليها في الانتصار للقضايا العربية العادلة والحقوق المسلوبة.
أليست هذه كلها أسباب منطقية وواقعية وبيئة مناسبة لكل ما يحدث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية لا تحتمل، وظلم واحتلالات، كما في فلسطين وما حدث من احتلال للعراق أججج مشاعر العرب والمسلمين، وأنتهى هذا الاحتلال إلى انقسامات وصراعات أثنية وطائفية وفوضى وخراب يصيب كل منقطة في العراق ويهدد المنقطة برمتها، فضلا عن الغياب المرفوض لدول العالم المؤثرة والمدعية أنها دول ديموقراطية تدافع عن حقوق الإنسان والشرعية الدولية.
حتما هي كذلك، وهاهي منطقتنا مشتعلة بثورات أزاحت أنظمة في بلدان، كما في تونس ومصر واليمن وليبيا، وتراوح مكانها وسط دم نازف وفوضى عارمة في سوريا، وثورات تسعى إلى إصلاحات، يتم التجاوب معها بحكمة كما في الأردن والمغرب.. ونحن في الأردن نمضي في طريق الإصلاح واتخذنا في ذلك خطوات ليس اقلها تعديل الدستور وإقرار قانون المحكمة الدستوية وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات.. وغيرها الكثير ونطمح إلى المزيد من الإصلاح الذي يعمق ديمقراطيتنا ويجذرها.
وأقر أن مساعي الثورات إلى تحقيق إصلاحات جوهرية وعميقة في سياسات البلاد العربية تعظم قيم الديمقراطية وتجعل الشعوب مصدر السلطات وتصون حقوق الإنسان وتقيم العدل وتساوي الفرص وتكافح الفساد وتحقق التنمية وتقلص الفجوة بين الأغنياء والفقراء.. كلها مساع محقة وضرورية غير قابلة للجدل والمماطلة والتأويل.
لكنني أقول، وكلي أسف وخشية، أن ربيعنا العربي بدأ ينحرف عن مساره القويم ويدخل مرحلة خلق البيئة المناسبة لحروب أهلية محصلتها تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية متناحرة.
إن المقدمات تؤشر إلى النهايات.. ودليلكم واضح في ما يجري في سوريا الآن أنها انتقلت من ثورة سلمية إلى ثورة دموية أدخلت البلد في حرب أهلية طاحنة امتد أثرها إلى لبنان البلد غير المستقر أصلا. فما يحدث في شمال لبنان ومركزه منطقة طرابلس من اقتتال على أساس طائفي قد يمتد إلى كل لبنان في أي لحظة متأثرا بتطورات الموقف في سوريا واحتمالات تمدد الصراع ليطاول دولا عدة في المنطقة حال التدخل العسكري الدولي في شؤونها.. وما يجري في البحرين واحتمالاته ليس بعيدا عن ذلك كله.
وشخصيا، كما غيري، صرنا أكثر قناعة من أن ما خطط له المنظّر السياسي والمؤرخ برنارد لويس، منذ سنوات، وأدخله في صلب الاستراتيجية الأميركية زمن الرئيسين جورج بوش الأب والإبن حول تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي (...) وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه.
فالتقسيم الذي جرى في السودان والمرشح أن يحدث فيها تقسيمات أخرى، دليل أكيد وحيوي على استراتيجية تديرها أيد خفية ستطاول العراق وسوريا ولبنان أولا والبقية تأتي.
وهذا يعني، بالنسبة لي ولكل مطلع، أن هدفه خلق كيانات عربية وإسلامية ضعيفة من جهة ومتناحرة من جهة أخرى بما يخدم المشروع الصهيوني الذي يريد دويلات هشة تدور في فضاء الكيان الاسرئيلي مع ما يعنيه ذلك من أن القضية الفلسطينية لن تشهد العدل وشعب فلسطين لن يشهد رفع الظلم.
وعليكم في أوروبا أن تدركوا، قبل غيركم، أن اشتعال الحروب الأهلية، على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، لن يدفع ثمنه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط، بل انتم أيضا ستدفعون ثمن هذه الحروب من استقراركم وأمنكم وازدهاركم.. والثمن سيكون كبيرا ومدمرا وفوضويا، وليس بمقدرونا أن نعرف مستواه ومآلاته.
وإذا جاز لي النصح، فأود أن أنصحكم قبل أن أنصح أبناء منطقتي، وأنتم سلطة التشريع والرقابة والمؤثرين في سياسات بلادكم، أن أوروبا بحاجة إلى استراتيجية جديدة تقوم على مقاربة إبداعية تسهم في انتقال العالم العربي والإسلامي، اقتصاديا وسياسيا، إلى حال أفضل وأن تنخرطوا جديا في معالجة المشاكل التي تواجهها منطقتنا وعلى الخصوص إقامة الدولة الفلسطينية مركز الصراع ومحركه.
ومطلوب من أوروبا أن تبني استراتيجياتها ومقاربتها بناء على تقييم صحيح لما يجري في مطقتنا من أحداث وأن تدرك جيدا أن الظلم الواقع تاريخيا على الشعوب العربية لا يمكن أن يستمر من غير ردود فعل عنيفة، وأن التطورات مقلقة تحتاج منكم إدراك مدى الضرر الذي يصيب المصالح المشتركة بين بلادنا وبلادكم إذا ما أخذ سيناريو الحروب الأهلية والتقسيم تبعا لهذه الحروب مداه.
وأخاطب من هذا المكان أبناء منطقتي، بالقول أن ربيعكم حق ومطالبكم الإصلاحية في كل المجالات محقة، وانكم قدمتم لذلك تضحيات كبيرة وكثيرة، لكني أخشى أن تختطف هذه التضحيات وما تحقق من إصلاحات، إلى الآن، من أطراف وأيد خفية تريد إشعال المنطقة بحروب أهلية لتنفيذ مخططات تقسم المقسم، وتنتج سايكس بيكو جديد لا يقيم لصالحكم وزنا ولا أهمية ولن يكون لنتيجة حروبنا وتقسيمنا إلاّ مزيدا من الدم والفوضى والتناحر، غير محدد الأجل، والعودة ببلادنا إلى العصور القديمة خاسرين استقرارنا وأمننا وفرصة تحقق الازدهار الذي سعى ربيعنا إلى تحقيقه..
وليس أمامنا إلاّ أن نعيد تقييم الواقع لنصمم رؤيتنا وسياساتنا، أنظمة وشعوب، على نبذ ومكافحة كل عوامل تأجيج الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية، وأن نجذر بلادنا ودولنا على أساس الهوية الوطنية الجامعة، لا على أساس هويات فرعية قواعدها دينية وعرقية تغذيها أطراف إقليمية ودولية تقدم مصالحها على مصالحنا.
نعم، نريد الإصلاح الحقيقي والجوهري لبلادنا وأنظمتنا، لكن من غير أن ننزلق إلى حروب أهلية وفتن لن يسلم منها أحد، وستطاول، بصورة أو بأخرى، أوروبا وأميركا ومصالحهما، إن لم تعدل السياسات على نحو إيجابي وفعال.
شكرا لكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
م. عبد الهادي المجالي
رئيس لجنة الشؤون الخارجية
مجلس الأعيان- الأردن