«ادماج» يهدف الى طوي صفحة السجن واقعا وفكرة
10-09-2012 05:53 PM
عمون - مها الشريف
السيدة عريب حالة انسانية خاصة جدا، كانت رفضت النزيلة «عريب» الخروج من مركز الاصلاح والتأهيل رغم صدور قرار الافراج بسبب الرهبة الكبيرة في مواجهة المجتمع، خاصة وان عريب قد أظهرت موهبة فنية متميزة، فكانت رسوماتها واعمالها الفنية مثار جدل العديد من الفنانين واساتذة الفنون في الجامعات الاردنية.
مشاعر الرهبة
وتشاركها النزيلة سعاد نفس مشاعر الرهبة من الانخراط في المجتمع من جديد، فقد رفضت سعاد كذلك الخروج من احد مراكز الاصلاح والتأهيل، وهي التي انخرطت في بضع دورات وحصلت على العديد من المهارات التي من شأنها أن تعينها على مواجهة الحياة، وفتح أفاق جديدة امامها، الا ان خوفها من المجتمع كان أكبر من كل تلك المهارات والمواهب التي اكتسبتها في المركز.
البطالة
يقول حسن بأنه كان أفضل حالا داخل السجن «مراكز الاصلاح والتأهيل»، خاصة وانه بعد أن خرج من السجن قبل عدة اشهر لم يحصل على عدم محكومية وبالتالي بقى عاطلا عن العمل وأدى ذلك الى دب الخلافات العائلية فطلق زوجته، وخرج من البيت تاركا ابناءه بلا معيل.
الوفاء بالتزاماته
أما أبو أحمد الذي يملك رخصة قيادة شاحنة، فقد دخل احد مراكز الاصلاح والتأهيل بعد أن اصطدم أحدهم بشاحنته المتوقفة على جانب الطريق وحكم عليه بالحبس ستة أشهر (تسبب بالوفاة)، وهذا حرمه طبعا من حصوله على عدم المحكومية وبالتالي العمل على شاحنة، وهو الذي يعيل 6 ابناء بالاضافة الى زوجته وما زال في مقتبل العمر وقادرا على العمل وتحمل مسؤولية اسرته ورعايتها كأي زوج وأب، فخرج من السجن ليدخل سجن البطالة والعوز والحاجة.
«ادماج»
جاء مركز الرعاية اللاحقة للسجناء «ادماج» لملء الفراغ في ظل عدم وجود رعاية لاحقة ترعى شؤون النزلاء بعد خروجهم من السجن، وتسهل اندماجهم مع اسرهم ومجتمعاتهم، حتى يستفيد المجتمع من طاقاتهم ليصبحوا ركيزة اساسية في استقراره وبنائه.
التأقلم مع الحرية
وحول المركز أكد المدير العام الدكتور عبد الله الناصر ان اعادة تأهيل السجناء لبدء حياة جديدة بعد انقضاء العقوبة يعتبر تحديا من نوع آخر خاصة لبعض السجناء الذين يرفضون الخروج من السجن فهم يختزلون نظرتهم الى ذاتهم كسجناء او سجناء سابقين، وهذا يجعلهم يفشلون في ان يعيدوا تأهيل أنفسهم لحياة جديدة خارج السجن يجب ان يألفوها، وأن يتأقلموا معها.
الانفصال عن السجن
وأحمد أحد الذين أفرج عنهم يجسد هذا الواقع، حيث يؤكد بأنه وبعد سنة من خروجه من السجن ما زال غير قادر على ان يصل الى مرحلة الانفصال عن السجن، ويقول: مع انني املك مرتب ضمان، ووضعي المالي مريح الا انني ما زلت ارى نظرة المجتمع لي كسجين وهذه النظرة تجعلني أحن الى السجن وأيامه حين كان ينظر اليّ كشخص ناجح ومظلوم من قبل السجناء. ويضيف: ماذا أفعل خارج السجن فان التحدي الأكبر الذي اواجهه يكمن في نظرة المجتمع لي كسجين سابق، أما بقية السجناء فان همهم أكبر فهم يحملون كذلك وزر البطالة وتداعياتها الكبيرة من ضيق ذات اليد غيرها الكثير.
بالمصاحبة والتتبع
ويقول الناصر: انطلاقاً من الوعي بمدى أهمية الرعاية اللاحقة في تسيير عملية إدماجِ المفرجِ عنهم؛ لكي يصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم عمدنا إلى تأسيس «مركز الرعاية اللاحقة للسجناء»، والذي يهدف لمساعدةِ المفرجِ عنهم عن طريق المصاحبة والتتبع لضمان عدم عودتهم الى السجن مرة اخرى، او حتى لا يألفوا العزلة والسلبية والعزوف عن العمل والانتاج؛ ما يجعلهم عالة على غيرهم، وعليه جاء المركز بهدف دعم برامج إدماج السجين في الحياة مجدداً. مؤكدا بأن هنالك العديد من السجناء الذين اظهروا مواهب ومهارات مميزة ولا بد من جهة ترعى وتتبنى القدرات الكبيرة لديهم كعريب مثلاً.
واقع يفرض نفسه
ويضيف الناصر لعل الانفصال عن السجن غير ممكن دون أن ينال السجناء حقوقهم كاملة تساعدهم على إدارة ظهورههم للسجن، اي بمعنى طوي صفحة السجن واقعا وفكرة ومنعكسات امنية شرطية ومجتمعية. مؤكدا بأن موضوع الرعاية اللاحقة للنساء من أهم القضايا المطروحة، وهذا يجعل رعاية هذه الشريحة من السجناء المفرج عنهم وأسرهم واجبا اجتماعيا يفرض نفسه انطلاقاً من الوعي بأهمية عملية الإدماجِ.
صدمة الافراج
«صدمة الافراج للسجناء وادماجهم في المجتمع» عنوان الدراسة التي أعدها الباحثان عبد الله الناصر وحسين الرواشدة والتي أثارت الكثير من الجدل حول تأثر المجتمع سلباً جراء تصاعد عدد العائدين الى ارتكاب الجريمة نتيجة عدم قبولهم من المجتمع الأردني، وقد سلط الضوء موضوع صعوبة التكيف مع الواقع، ورفض المجتمع للمفرج عنهم باعتبارهم بنظر القانون والمجتمع منبوذين وأصحاب سوابق جرمية، وفي الحصول أيضاً على شهادة حسن سلوك بعد خروجهم من السجن.
ثلاث سنوات
وقد وجدت الدراسة ان عملية عدم تمكن المفرج عنهم من الحصول على رد الاعتبار «شهادة عدم محكومية» الا بعد مدة زمنية تتراوح من ثلاث الى ست سنوات، تشكل تحديا وعائقا امام المفرج عنهم من الاندماج في مجتمعاتهم وتقوي فرص اعادتهم ثانية للسجن، خاصة وان الدراسة وجدت ان نسبه المكررين هي 48 بالمئة، كما ان موضوع الاقامة الجبرية للمفرج عنهم هي عقوبة ثانية تمارس عليهم وهي بذلك مخالفة شرعية وقانونية.
أصحاب سوابق
كشفت الدراسة ان نسبة كبيرة تقارب نصف العينة تشعر بالقلق بشأن استمرار التمتع بمزايا الحقوق القانونية للسجين كمواطن بعد الخروج من السجن، وأشارت النتائج إلى أن نسبة تناهز نصف العينة تعتقد بإحتمالية حرمانها من حقوقها المستقبلية (التقاعد.. الضمان الاجتماعي..)، لكونها من أصحاب الأسبقيات.
ما بعد الخروج
كما اظهرت الدراسة -ايضا- ان البرامجِ الدينية والتعليمية التي قدمت للسجين لتهيئته لمرحلة ما بعد خروجه من السجن شكلت أعلى نسبة، تلتها البرامج الرياضية والحرفية، في حين شكّلت البرامج النفسية أدنى المستويات.
رفض الزوجة
واشارت النتائج ان ثلثي افراد العينية اكدت انها تشعر بالقلق من عدم تقبّل الزوجة والابناء لهم، كما اشارت الى ان السجين يجد صعوبة في لم الشمل وإعادة بناء الروابط والعلاقات مع أفراد أسرته بعد خروجه من السجن.
القلق
وبالنسبة لشعور الشخص بالقلق وتخوفّه من كونه فقد دوره ولم يعد نفس الشخص الذي كان في أسرته من حيث القوة والاحترام، تبيّن أن نسبة تتجاوز نصف أفراد العينة صرحّت بأنها تشعر بالقلق من كونها فقدت الدور الذي كانت تحتله داخل الأسرة، وبصورة مماثلة، أشارت نسبة تتجاوز نصف أفراد العينة إلى كونها تشعر بالقلق من فقدانِ القدرة والإمكانية لممارسة دورها في الحياة في كافة المجالات.عن الدستور.