خلال الأسبوع المنصرم، ارتفع سقف الشعارات التي يرددها الحراك الشبابي إلى أعلى سقف كان يتوقعه البعض، وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة وتصير إلى ما لا تحمد عقباها، لولا التدخل الملكي الذي جاء في الوقت الحرج وأمر بتجميد قرار اخرق اتخذ في عتمة الليل، من قبل رئيس الوزراء الذي باغت الجميع في لحظة لا عقلانية بمثل هكذا قرارات.
ثلاثة قرارات في أقل من أسبوع، كادت أن تطيح بالحكومة ومجلس النواب معا، وتدفع بالشارع الملتهب إلى ثورة عمياء على حكومة عرجاء لم تعد تسمع إلا صوتها فقط، وبالكاد ترى أكثر من مصالحها والمحسوبين عليها.
قرارات جريئة – ولن أقول غير ذلك حتى لا اتهم بقدح المقامات- تلك هي التي اتخذها الرئيس، وهو يعلم علم اليقين أن لا مجال لإقالته في هذه اللحظة الفارقة والحاسمة من عمر الدولة الأردنية، التي يصر البعض على تقويض ما بقي لها من عمر.
مذ جاءت هذه الحكومة وهي تكابد وتكافح لإقناع المواطن بالمشاركة في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها قبل نهاية هذا العام – إن قُدر لها ذلك- ، ثم جاءت قرارات التعيينات في المناصب العليا ورفع الأسعار التي قوضت كل أمل لدى المواطن بإمكانية الإصلاح، والدفع به بعيدا عن مراكز التسجيل وصناديق الاقتراع.
لقد أصبح الشارع يطرح العديد من الأسئلة، أهمها وأخطرها هو: من هي الجهة التي تحاول النيل من سمعة النظام وعلى رأسه الملك؟، أليست هي الحكومة ورئيسها العتيد الذي صرح بأنه لن يسمح لأحد بالتطاول على رموز النظام، ليأتي دولته ويعطي كل الأسلحة لمن يتحينون الفرصة للانقضاض على سمعة النظام، ولم يُبق لنا أي مجال أو وسيلة للدفاع بها عن الدولة وأركانها ولا حتى عن هويتنا الوطنية التي باتت في مهب الريح.
باعتقادي -ومعظم أبناء الوطن يشاركونني ذلك-، أن معظم الحكومات والمسئولين في العهد الجديد هي من ساهمت في النقمة على النظام ورفعت وتيرة وسقوف الشعارات التي كانت تنادي بمكافحة الفساد والمحسوبية والشللية لتحرف هي تلك الشعارات عن مسارها، وباتت تنادي بما هو أكثر من ذلك.
إذا أراد النظام فعلا أن يقوم بعملية الإصلاح فلا بد له -بعد توفر الإرادة والعزيمة- من الاتكاء على أدوات قادرة على الإصلاح، همها الأول خدمة الوطن والمحافظة على ديمومة وبقاء النظام، ومن هنا يجب الخروج من الصندوق السحري والنظر إلى الأشخاص الأكفاء – وهم كثر- القادرين على تسلم زمام المسئولية، ولابد من سيادة القانون وتكافؤ الفرص وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، عندها سيكون المواطن راضيا وقانعا بكل النتائج مهما كانت، وعندها فقط سيقول سمعا وطاعة، أما ونحن نرى المناصب للذوات وأبناؤهم، والامتيازات للمحاسيب وأنسابهم، وخيرات البلد ومقدراتها منهوبة على يد فئة تدعي الولاء والانتماء، وتتشدق بالطهر والنقاء، وهم عن ذلك ابعد ما يكون، عندها سيقول لا سمعا ولا طاعة.