دستوريا وليس بسبب عريضة النواب فإن هذه الحكومة ستقدم إستقالتها, وليست هذه هي المشكلة لأن احداث الفراغ ليس كملئه, فتغيير الحكومات من أبسط الاجراءات التي دأبت عليها الدولة الاردنية منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي , والى ما قبل عدة سنوات فقط اصبح تشكيل الحكومات هو المعضلة وليس بوسع خبير مهما اجترح من حلول ان ينكر هذه الحقيقة خاصة في هذه المرحلة بالذات.
فمن ناحية , الذين يريدهم الناس تولي مسؤولية رئاسة الحكومات لا يقبلون بالمنصب ويعتذرون عنه لسببين, اما لأنهم غير راضين عن الدور الجديد للرؤساء , وعما طرأ من متغيرات على شكل وتركيبة الحكومات وتراجع هيبتها , واما لانهم ينأون بانفسهم عن تعقيدات المرحلة الراهنة ولا يريدون ان يتحملوا مسؤوليات مكلفة في زمن يعتبرونه غير زمنهم ,اي انهم يهربون من المسؤولية , ومن ناحية أخرى فإن الذين يتسابقون لرئاسة الحكومات لا يقبل بهم الجمهور - وخاصة النخب السياسية والفكرية - ولا يرحب بهم بل يعمد الى تأزيم العلاقة معهم وحشرهم في الزاوية الضيقة الى حين العودة الى خيار اسقاط الحكومات من جديد .
من تقاليد التشكيل الحكومي في بلدنا اننا نبحث عن الاسم قبل أن نبحث عما يمثله صاحب هذا الاسم وما لديه من افكار وبرامج ومعرفة بطبيعة المهمة , وثمة اعتقاد جارف لدى السياسيين التقليديين ان كتاب التكليف الملكي لرؤساء الحكومات كفيل بوضع برنامج عمل للحكومة حتى لو لم يكن لدى الرئيس المكلف برنامجه وخططه واستراتيجياته الخاصة في ادارة شؤون الحكم في فترة رئاسته . من الناحية النظرية فإن جميع الرؤساء يلتزمون بكتاب التكليف السامي ويصيغون ردودا رائعة عليها ,لكن ما يحدث بعد ذلك مواجهة حتمية مع الروتين اليومي لعمل الحكومات فيصبح الرئيس وطاقمه الوزاري مجرد موظفين يؤدون اعمالا ورقية ومقابلات ويستقبلون مشاكل الجمهور من الثامنة صباحا وحتى الثالثة بعد الظهر, ثم يتراكم ما يعرف بالبريد الى صباح اليوم التالي , وهذا الروتين يستنفد كل الوقت ولا يبقى من قدرة الحكومة لا ساعة من الزمن ولا سعرا حراريا لمراجعة خطة عمل او وضع أخرى, وهكذا يبقى كتاب التكليف امانة تعجز كل الحكومات عن حملها , ولو نفذت الحكومات الاردنية المتعاقبة كتب التكليف لكنا الآن بأفضل حال .
الآن ,هذه الحكومة سترحل بموجب التعديلات الدستورية بعد حل البرلمان كاستحقاق دستوري آخر من أجل اجراء الانتخابات النيابية القادمة , وبموجب الدستور ايضا فان الدكتور فايز الطراونه لن يتمكن من تشكيل حكومة أخرى ,اي اننا عمليا في مرحلة البحث عن رئيس جديد هو الخامس خلال سنتين , والادهى من ذلك أن الرئيس المنتظر قد لا ينجو من ثقة البرلمان القادم اي ان حكومته ستخلي الميدان لواحدة جديدة بعد اقل من شهرين على تشكيلها ويا لها من حلقة مفرغة ..!
المطمئن الذي يجب ان نثق بحدوثه أن كل هذا الذي يثير فينا احيانا الضحك والكثير من الشك والقلق سينتهي الى غير رجعة في غضون اقل من سنة , فمنذ تشكيل البرلمان القادم لن نشهد هذا الكم من التغييرات والتشكيلات وسيكون للحكومات القادمة شكلا آخر ودورا مختلفا, حكومات تخضع لمحاسبة الشعب من خلال ممثلين حقيقيين له, ليس هذا حلماً وفأل خير نتمناه , إنما رسالة امة يجب ان تحققها .
الرأي