إنّ القارئ للمشهد السياسي المحلّي يصل إلى نتيجة غير مرضية ولا يرى بصيص نور في النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه الحكومات المتعاقبة من خلال المنهجية السياسية المتبعة ومن خلال جملة من السياسات الاقتصادية والإدارية التي أثبتت فشلها وعدم جدواها، ومن خلال الآلية التي يتمّ الاعتماد عليها في اختيار المسؤولين وأصحاب المواقع في إدارة مؤسسات الدولة وفي الطرق المتبعة في التقويم والمتابعة التي تخلو من النهج الموضوعي وتفتقد إلى معايير النزاهة والشفافية.
الآن وبعد مرور عام وثمانية أشهر على انطلاق ثورة الشعوب العربية ضد أنظمة الاستبداد والفساد التي حاولت من خلالها إحداث تغيير حقيقي في المعادلات السياسية الحاكمة، وتغيير عميق في منهجية إدارة الدولة، وايجاد صيغة عمل تشاركيّة تؤسس لوضع معالم مرحلة جديدة، تكون الشعوب فيها صاحبة الكلمة العليا، وتشارك مشاركة حقيقية وفاعلة في صناعة القرار وتحمّل المسؤولية، وتسترد حقوقها المغتصبة كاملة في اختيار الحكام والزعماء والحكومات المسؤولة عن تنفيذ الإدارة الجماهيرية العليا. لقد كان الشعب الأردني سبّاقاً في طرح مبكر لمبادرة إصلاحية عميقة، تقترب من هذه المبادئ بطريقة سلمية هادئة، بعيدة عن أعمال العنف والصخب ولا تجرّ البلاد إلى الصدام الدموي، كما حدث ويحدث في بعض دول الإقليم والجوار العربي.
اليوم ونحن نقترب من نهاية عام (2012م)، يُجرى الاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية عامة؛ لتشكل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة، ولكن الخطوات والإجراءات التي تمّ اتخاذها، وكلّ ما يُجرى الآن على الساحة المحلية لا تبشر بانطلاقة شعبية جماعية مؤسسية على أرض صلبة قادرة على رسم معالم واضحة للمرحلة المقبلة، ومن هنا نجد أنّ التخبط الحكومي والإدارة غير الحصيفة يدفعان نحو مزيد من الشك والارتباك الجماهيري الواسع الكفيل بإفشال العملية السياسية القائمة، ما يؤكد السير نحو الجدار، لأنّ المواطنين غير قادرين حتى هذه اللحظة على ايجاد الفرق بين البرلمان القادم والبرلمان الحالي، وغير قادرين على التفريق بين شكل الحكومة القادمة من حيث رئيسها وفريقها، وبين الحكومة الحالية، وغير قادرين على الجزم بتغيير السياسات الاقتصادية، وغير قادرين على الجزم بتغيير الوجوه والأسماء التي ملّ الناس من رؤيتهم وسماع أسمائهم، وهناك شكٌ كبيرٌ وارتيابٌ متعاظم حول ولادة مرحلة جديدة خالية من الفساد وخالية من المحسوبيات والشللية، وتسمح بمجيء متنفذين يستغلون المركز الحكومي، ويتعسفون في استعمال السلطة من أجل الإثراء غير المشروع، والسطو على المال العام والاستيلاء على أملاك المواطنين بفذلكات قانونية وإدارية.
باختصار يجب أن نتحاشى الاصطدام بالجدار ويجب أن نعمل جميعاً على إحداث استدارة كاملة تُجنبنا مأزق إعادة تدوير وإنتاج المرحلة السابقة بشخوصها وسياساتها ومنهجيتها، ونحن بحاجة إلى شجاعة استثنائية، يتمتع بها كل الأطراف، من أجل التحاشي في السير المحتوم نحو الأزمة التي سوف تكون أشد وأعمق أثراً.
تتلخص الاستدارة الكاملة بالوصول إلى توافق كامل مع مكونات المجتمع الأردني السياسية والاجتماعية، يتمحور حول مجموعة من الأمور الأساسية، أولها: تأجيل الانتخابات وعدم الارتباط بموعد قهري، لا يتطلبه الدستور، ولا تفرضه التشريعات، وثانيها: تشكيل حكومة وطنية برئاسة شخصية أردنية تحظى باحترام الشعب الأردني وثقته وتعمل بمهمة محددة تتلخص بالإشراف على الانتقال الآمن نحو المرحلة الجديدة، ووضع معالم برنامج الإصلاح المحدد والواضح، وثالثها: تشكيل جمعية تأسيسية تعمل على صياغة التعديلات الدستورية الأساسية، التي تعرض على استفتاء شعبي عام، ورابعها: وضع قانون جديد للانتخابات، التي تهيئ لايجاد مجلس نواب يختلف عن المجالس السابقة نوعيةً وأداءً يمثل الشعب الأردني تمثيلاً حقيقياً وقادراً على القيام بمهامه الدستورية بكفاءة، ومن ثمّ الدخول نحو مرحلة الاستقرار الدائم.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم