على نحو واسع لا يخلو من تشف خبيث، تداول ناشطون على الإنترنت، مشهدا قيل أنه وقع في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، حيث بصقت شابة سورية في وجه أحد علماء الدين المشهورين، ردا على طلب يدها للزواج، لا أدري مدى صحة هذه القصة، وسواء وقعت أم كانت من نسج خيال أحدهم، فهي واحدة من تجليات قضية جارحة، نشأت على هامش مأساة نكبة شعب، تعيد إلى الأذهان نكبة فلسطين بكامل نصابها!.
جارح ومؤذ حد الفجيعة ربط مفردة طاهرة كالجهاد بهذه المسألة تحديدا، لكن الربط اقتضاه ربط آخر، لم يكن لي من خيار فيه، إذ غلب على «منقذي» اللاجئات السوريات صفة «الشيوخ» الذين بدا أنهم «هبوا» لإغاثة اولئك النسوة على طريقتهم الخاصة، هذا الربط من حيث المبدأ اعتسافي، وقد يكون مُدعى بالكامل، لكن الوقائع التي يسوقها ناشطون تعينهم عليه، فقد قرأت على تويتر تغريدة منسوبة لأحد «المشايخ» تقول: جوال شيخ بالجوف، موكل بـ 375 أختا من سوريا، بنات الشهداء وزوجاتهم، من أراد لهن الستر والعفاف (وهنا رقم هاتفه الجوال) ثم يختم تغريدته بدعاء: أللهم اكفني شر دعاء النساء واجعله في بشار! وقد بحثت عن أصل هذه التغريدة على تويتر فلم أجد لها أثرا، فقد تكون مجرد تأليف من أحدهم، خاصة وأن الفوتوشوب زرع بذور الشك في كل من نراه على شبكة الإنترنت، وقد تكون صحيحة طبعا، لكن جرى استغلال هذه التغريدة على نحو بشع، يبرر الربط بين الجهاد المفترض وإشباع رغبة ذكورية، وهو ربط متعسف ومؤذ ونافر، وفيه استفزاز غير مبرر!.
على هامش هذه القضية، أطلقت مجموعات من الشبان والفتيات السوريات حملات تحت عنوان «لاجئات لا سبايا» لفضح نوايا المنقذين المفترضين، ولتصوير كيف يبرر بعض ضعاف النفوس بطريقة شهوانية سهولة الزواج منهن بحجة أنهن لاجئات ويحتجن للمساعدة، الحملة استهدفت نفي هذه الصورة الخاطئة التي تمتهن قيمة المرأة واستغلال معاناتها، وفي الوقت ذاته توعية أهالي الفتيات السوريات بمخاطر وسلبيات هذا الزواج، خاصة تلك المغلفة بعناوين دينية، وتبدو معيبة بنظر اللاجئين وغير اللاجئين، بل ربما تكون نوعا من النخاسة المقنعة، أو إضفاء صبغة شرعية على تجارة الرقيق الأبيض، خاصة وأن الرجال من أصحاب الشهامة المفترضة يستهدفون البنات الصغيرات الجميلات، ناشطون اختصروا بشاعة المشهد ببضع كلمات تغني عن الكثير من الثرثرة، إنه «الجهاد بالزواج».. هكذا علقت سارة إحدى السوريات التي عُرض عليها هذا النوع من الزواج وكتبت على صفحة الحملة على فيس بوك. وأردفت قائلة: «لا تستغرب فليست هي المرة الأولى التي يحدث معنا هذا، ولن تكون الأخيرة فقد فُعل ذلك سابقا في البوسنة والهرسك وفي الشيشان ولكن اليوم من يراد الجهاد بهن، والدعوة والتداعي إلى الستر عليهن هن عربيات أصيلات.. إنهم بنات الشام» آخرون تساءلوا، وأنا معهم: إن كان فعلا الهدف من الزواج من اللاجئات السوريات الستر فقط، وبعده عن المصلحة، فلماذا لم يهب هؤلاء إلى الزواج من الصوماليات أو لاجئات أفريقيا المسلمات؟! وإن كان دافع بعض هؤلاء إنسانيا بحتا، فليدعموا الشباب السوري الذي أجبرته الظروف على أن يظل أعزباً وهو لاجئ لا يجد قوت يومه!
إن هذا النوع من الزواج القائم على القهر ليس زواجًا، «ما أوخذ بسيف الحياء فهو حرام». هكذا تختصر المسألة برمتها إحدى الباحثات، البعض يبرر عرضه للزواج هذه بأنه يريد مساعدة الأسرة ماديًا، وهذا نوع من أنواع إلباس الحق بالباطل، كما تقول، حيث يمكن لهذا الشخص، لو كان كريمًا حقًا، أن يقوم بمساعدة هذه الأسرة ماديًا دون انتظار المقابل، بدلاً من ذلك العرض المخزي!.
كتب أحدهم على تويتر: يمكنك أن تتزوج لاجئة سورية ب300 دولار! ما تدري بأن زواج الأنثى من الأنثى حرام شرعا نساء سوريا لا تتزوج غير الرجال الأحرار!.
hilmias@gmail.cim
الدستور