حفظاً للتراث الشعبي دون غايات وإسقاطات سياسية، تستحضر الجدّات قصة "حديدان والغولة"، مع تأكيدهن الدائم أن شخصيات الحكاية متخيلة، ولا تمت للواقع بصِلة.
حديدان بطل شعبي شيّد بيته من الحديد، خلافاً لأخويه اللذين بنيا منزلهما من الطين أو الخشب، ما جعله يصمد أمام اعتداءات الغولة، التي دمرت منازل إخوته، ليهزمها في نهاية المطاف.
شخصية الغولة تظلّ غامضة في المرويات، وغير محددة الهوية، فلا يملك أحد يقيناً إن كانت إنساً أو جنياً، وهل تقيم في بلادنا أم هي غريبة عنها، ولماذا تستعاد في معظم القصص رغم أنها تموت في نهاية كل قصة؟.
المفارقة أن الغولة تُقدّم في بداية الحكاية ماكرة وذات حيلة ودهاء، لكنها تتلقى هزيمة نكراء في الختام، وتبدو في منتهى الغباء والعجز.
وجود الغولة ضرورة لإشاعة الخوف من عدوانيتها، وليُصنّع أبطال يقومون بمعجزات وخوارق تحمي مصائر البسطاء المعلقة بيد "حديدواناتها".
وبالطبع، لا يتسع الميدان إلاّ لـ"حديدان" واحد، ولا يستطيع غيره أن يقيم بناءً بمتانة بيته، ويحظى برجاحة عقل تضاهي حكمته، وقوة تعادل بطولاته.
"حديدان" أبٌ عظيم ومنذور للتضحية، ولا يهمّ إن لم يقدّم إجابات على أسئلة أطفاله المحرجة، وهو مدرّس فاضل ومعطاء، رغم أن تلامذته يتلقون معرفتهم – حصراً - من الشارع، وما يتناقلونه عبر وسائط الاتصال الحديثة.
وهو مدير ناجح وصاحب خبرات استثنائية على رأس مؤسسات فاسدة ومترهلة وغير منتجة، ورجل أمن متفوق في عمله ويؤدي مهمات خاصة تشيد بها وسائل الإعلام، التي تشير في تقارير أخرى إلى فشل حكومي متواصل بسبب التدخلات الأمنية.
وحديدان زعيم تاريخي ملهم تحفل مسيرته بإنجازات لا تحصى، ويُومّل شعبه بسحق غيلان لا يعرفونها، وهم مؤمنون بكل ما يقولونه!.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم