هويات فلسطينية ومشروع وطني على وشك الذوبان
د.مهند مبيضين
06-09-2012 06:15 AM
خسر الفلسطينيون كثيرا، وانقسموا فرقا وفصائل، كانت قضيتهم وما زلت قضية العرب والمسلمين، ولكنهم بانشقاقهم الراهن قزّموها لتصبح قضية تخصهم، فاضحت شأنا يدار بين يدي مشعل وعباس وهنية، وفي المقابل هناك هوية فلسطينية انهكت، وفتت وهي فلسطينيو 1948، وهؤلاء عانوا كثيرا في سبيل الحفاظ على هويتهم، وقد نالهم الاتهام من بني جلدتهم بأسوأ ما يقال. وقد حاول «إميل حبيبي» في رائعته «المتشائل» أن يوضح أن الباقين في وطنهم بعد النكبة قد لا يكونون أبطالاً، لكنهم بالضرورة ليسوا خونة أو متواطئين مع «الكيان الصهيوني». وضمّن نصوصه رسائل عبّر فيها عن شكواه من ظلم ذوي القربى ممن اعتبروه وقومه الباقين عارا مثقلاً بالاتهام.
ثم جاء احتلال أعقبه انفتاح حدود، لكن ظلّ الشك بـ»عرب إسرائيل» على حاله. وأحيانا يرتفع منسوبه إلى درجة التخوين واعتبارهم جسرا تمر عبره إسرائيل إلى المنطقة العربية!
سابقا كان فلسطينيو الداخل عرب الـ 48 هم المشكلة بالنسبة للعرب، وكان دعم هويتهم ضرورة ملحة، كونهم جماعة غلب على أرضهم مستعمر غاشم، أما اليوم فكل فلسطين مشكلة، مشكلة في خلاف الأشقاء، ومشكلة في الموقف من إسرائيل التي ثبت أنها لا تريد سلاما، ومشكلة المشاكل بإيجاد بديل فلسطيني، في ظل توقع انهيار السلطة بشكل مفاجئ، وهذا التوقع هو ما يجعل التفكير ملحا عند الأميركان بالصيغة المستقبلية لدور الأردن في شكل المشروع النهائي للمصير الفلسطيني.
اليوم يبدو أن العرب أداروا ظهورهم للقضية الفلسطينية، وهي قضية لم تعد جذابة للزعماء العرب ليستثمروا برعايتها، وكانت «مصر مبارك» تحاول ذلك لكنها مع «زمن مرسي» اغلقت كل منافذ الأمل لدعم صمود غزة وأهلها، ودمرت كل انفاق السلع، وبات واضحا للفلسطينيين أن أمن الأوطان المحيطة بهم أهم من قضيتهم.
اليوم لدينا حماس ولدينا حكومة المقاطعة، ولدينا من هم في الداخل الإسرائيلي إن كنا نعتقد بحق اسرائيل أصلا، لكن أليس لدينا فلسطينيو الأردن وفلسطينيو سوريا ولبنان؟
أليس المشروع الفلسطيني الوطني من حقه أن يتغلغل في الكل الفلسطيني، وأن يبقي على هواجس الاكتمال للهوية الضائعة أو غير المكتملة، وإلا فإن ذلك يحقق مقولة الراحل «أبو إياد» إن الفلسطيني يظل كائنا بلا هوية، كما عبر عن ذلك في توثيقة لمسيرة الكفاح الفلسطيني.
اليوم تتجه الأفكار لبحث المصير الفلسطيني في الإقليم بما فيها الأردن، وبحث نهاية الانقسام، وبحث جدوى البقاء على عملية سملية منتهية الصلاحية، واليوم تنشط بعض النخب الموكولة للبحث عن حل للإشكالية الفلسطينية، والخطر لن يكون إلا على الأردن، ولهذا لا بد من إعادة التنبه لذلك السيناريو الجديد الذي يسعى له ويتحرك من أجله بعض النخب، والجهد يجب أن يستمر أردنيا للحفاظ على حق الفلسطينيين بالدولة، ودعم الاردن لا بد من استمراره للمشروع الوطني الفلسطيني.
ختاما إن ما ذهب إليه من قبل الراحل «إميل حبيبي» الباقي في حيفا «بأننا أبطالا في مجرد بقائنا..» ويقصد البقاء في 48 هو صحيح، ولكن هل يصير حلم الدولة الفلسطينية مجرد «البقاء»، وبالتالي نهاية النضال وحق العودة؟
كل ذلك يعني نهاية الهوية الفلسطينية إسرائيليا، غير أننا يجب أن ندفع للبقاء على حق الفلسطينيين، لا لأن رحيلهم يمثل اضطرابا جديدا، ولكن لتبقى فلسطين أكبر من دويلة غزة أو المقاطعة، أو ما يفكر به راهنا من دولة تضم ثلاثة أّقاليم منها الأردن.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور