قراءات في انعكاسات التسوية السورية
05-09-2012 05:25 AM
عمون - د. عامر السبايلة - يبدو أن المجتمع الدولي قد وصل الى طريق مسدود في سوريا. بعد اكثر من عام و نصف على روايات سقوط النظام و اقتراب نهاياته يتضح أن روايات اسقاط النظام افتقرت الى اي رؤية واقعية. الحقيقة ان كثيراً من الاطراف الدولية سئمت من غياب برنامج سياسي أولي لدى شريحة كبيرة من المعارضة السورية, التي تصر ألا ترى غير التسليح و التدخل العسكري طريقاً للحل. زاد على ذلك أن اغلب أطراف المجتمع الدولي ادركت مؤخراً حجم التضليل الاعلامي و الاهواء التي تسكن عقول أصحاب روايات التضليل. لهذا فمن المنطق أن يبرز الخيار السياسي, بقوة مؤخراً, كحل وحيد في مواجهة تداعيات المسألة السورية. على كل الأحوال, بات من الواضح أنه مع اقتراب اللجوء الى خيار التسوية السياسية تزداد أزمة المعارضة المنخرطة بمشاريع الدم في سوريا و تتقلص آمالها بفرصة حصول التدخل العسكري الذي سعت له بطرق هيستيرية على مدار السنة الماضية.
للاسف, لم يدرك دعاة التدخل العسكري أن الولايات المتحدة لم تكن معنية باي حرب مباشرة في المنطقة. فالمطلوب من سوريا امور قد يتم الحصول عليها عبر اطالة امد الأزمة. المطلوب هو تركيع الدولة السورية و اضعاف الجيش و انهاكه, و تصديع الداخل السوري و تهيئة المناخ لاعادة صياغة النظام السوري. قد لا نبالغ أن قلنا ان الولايات المتحددة مصممة ان يكون ممثل المؤسسة العسكرية السورية هو من يوقع مشروع التسوية, فلا يمكن ضمن العقلية الأمريكية ان يبقى الجيش الذي حقق نصر تشرين خارج دائرة التسوية, فحتى لو وقع الشرع مشروع التسوية فلابد ان يوقعه بابهام حافظ الأسد.
كل ما يجرى اليوم من تجاذبات بين اطراف المعارضة الوطنية و السلطة بالاضافة للمكونات الرئيسية للمجتمع السوري يصنف تحت بند صياغة اعادة تشكيل اطراف التسوية. المؤسسة العسكرية تتصدر هذه الاطراف, و المشروع الديمقراطي السوري بشقيه المعارضة الخارجية و الداخلية, بالاضافة الى البرجوازية السورية بشقيها الصناعي و التجاري. المطلعين على الشأن السوري يعرفون ان هذه البرجوازية التقليدية, هي نفسها التي اطاحت بكل من حاول الانقلاب على تقليديتها التاريخية تحت غطاء التجديد.
تداعيات التسوية على الأردن
مع وصول الابراهيمي الى دمشق تتحدد مسارات محطة التسوية السورية, و بغض النظر عن قدرة الابراهيمي عن وضع قطار التسوية على سكته الصحيحة ام لا, فان الأردن يدخل ضمنياً في مشروع التسوية التسوية السورية و التي ستفتح الابواب بلاشك للتسوية الاقليمية القادمة. في اطار الازمة السورية فشل الأردن جذرياً في انتاج غطاء دولي لنفسه او صياغة تحالفات جديدة في مواجهة اي استحقاق اقليمي قادم. لهذا فمن الطبيعي أن تسجل الزمة السورية تداعياتها على الداخل الأردني و التي قد تتمثل بأزمة التغيير الحكومي و انجاح الانتخابات. التغيير الحكومي أصبح حتمياً و فشل الانتخابات في الأردن قد يكون كارثياً. لم يعد الاردن يملك خيارات استراتيجية لمواجهة الازمات, و ستقتصر الخيارات على بعض الاجراءات الروتينية و محاولات رأب صدع التداعيات الأمنية و السياسية و الاقتصادية بطرق تقليدية عقيمة. هذه التداعيات ستعمل على اختزال الطموح الأردني بالحفاظ على الأمن الداخلي كحد أقصى, و بالتالي تقتصر الطموحات الأردنية على انتاج حكومة امنية برئاسة أحد الجنرالات السابقين أو العاملين. مع اللجوء الى هذا الخيار يكون الأردن قد وضع نفسه في مربع الأمن الضيق, المقتصر على الداخل الأردني و القاصر على اللحاق بالتطورات السياسية الاقليمية. الخيار الثاني قد يتمثل بانتاج حكومة دبلوماسية قادرة على تجاوز اخطاء الماضي, و تجسير الهوة بين الأردن الرسمي و محور أصدقاء سوريا الذي لم يحسن الأردن التعامل معه "لو عن بعد".
الأردن يحتاج الى انتاج حالة قادرة على ضبط الداخل الأردني ضمن فريق "أمن قومي" مختص قادر على مواجهة التداعيات الداخلية و ربط قراءتها بتطورات السياسة الاقليمية و العالمية, عندها يكون الخيار الاستراتيجي بتفريغ الحكومة القادمة لمواجهة ملف التسوية الدبلوماسية الشائك, و الذي سيتطلب وجود شخصيات قادرة على فتح خطوط الحوار مع سوريا.