فهد الفانك على كرسي إعتراف "اللويبدة":الإعلام الأردني في أزمة مهنية عميقة ومتخلف عن المنافسة على مستوى المنطقة
14-11-2007 02:00 AM
عمون - نشرت مجلة "اللويبدة" الشهرية التي يرأسها الزميل الكاتب باسم سكجها مقابلة فريدة ومليئة بالمعلومات للوجه الآخر للدكتور فهد الفانك الشخصية الخلافية والكاتب ورئيس مجلس ادارة المؤسسة الصحفية الاردنية "الرأي" ننشرها بالاتفاق مع "اللويبدة" : اللقاء مع الدكتور الفانك فرصة ذهبية للتعلّم، والمعرفة، ومحاولة للتبحر في أسرار خلطة مهنية، تكرّست كظاهرة صحفية، عابرة للمراحل والأزمان.
فالجرأة التي تعتبر عنوان ما يكتبه رئيس مجلس إدارة “الرآي”، ليست لا جزءاً لا يتجزأ من سلوك يومي له، وعكست نفسها في ثنايا اللقاء الذي جمعنا به، في مكتبه في “الرأي” .
وما بين المرور على أسرار تكشف لأول مرة، عن حياته الإجتماعية، وإنطوائيته، وبعض أرائه وتصوراته المهنية، إسترسل الدكتور الفانك، وبكل صراحة وشفافية، في العبور على كلّ المنعطفات، والردّ على الأسئلة حتى المحرجة منها .
تحفّظه على سؤالنا حول منع مقالاته من قبل رئاسة تحرير “الرأي”، رغم أنه رئيس مجلس إدارتها، لم ينسحب على صراحته في الإقرار بوجود أزمة مهنية عميقة في الإعلام الأردني، وتخلّفه عن المنافسة على مستوى المنطقة.
ومن المفارقات الطريفة التي تضمنها اللقاء أن إقراره بحرفية ومهنية الكاتب الصحفي فهد الريماوي، لم يمنعه من التنبؤ بمستقبل باهر للزميل فهد الخيطان، الكاتب في صحيفة “العرب اليوم” ليخلف الفانك (فهد) ككاتب أول على المستوى الوطني، ليس إنحيازاً منه لـ “فهود” الصحافة، وإنما تحيز للحرفية العالية والمهنية الرفيعة التي تميز أسلوبها .
يقر بفضل الرآي” المؤسسة” والصحيفة في صناعة إسمه ككاتب مثير للجدل، بنفس الحرارة التي يتذكر فيها الفضل الكبير للصحفي الراحل إبراهيم سكجها، في تكريسه مقالته اليومية مثل (قهوة الصباح) بالنسبة للأردنيين.
لا يتردد في الاعتراف بأن زوجته تقوم بدور الرقيب على مقالاته، وأنه غالبا ما يتهرّب من سطوة مقصّها، ويؤكد أن الرئيس معروف البخيت من أفضل رؤساء الحكومات وأكثرهم إقتداراً.
اللقاء مع الدكتور الفانك تراوح بين مدّ السياسة، وجزر الاقتصاد، وما بينها تقرأ الكثير من الحكايات والقصص التي تكشف لأول مرة .
س- نبدأ بنشأتك، والمحيط الإجتماعي الذي ساهم في بلورة وتكوين شخصيتك؟
ج - أولاً، أنا من مواليد المحطة، سنة 1934 ودرست الصفين الاول والثاني الإبتدائي في مدرسة الفتح، التي كانت في المعسكر، ثم إنتقلنا إلى بلدتنا الأصلية، الحصن. بقينا هناك فترة الدراسة الإبتدائية والثانوية، المؤثرات بدأت في مدرسة إربد الثانوية، وأهمّها حزب البعث الذي إنتسبت إليه وعمري 17 سنة، سنة 1951 ، وبطبيعة الحال ترك أثره في طريقة تفكيري، وخدمت في حزب البعث 16 سنة، ووصلت إلى عضوية القيادة القطرية، وقد إنتهت سنة 1966 بالإعتقالات التي شملت الكثيرين، في ذلك الوقت، المؤثّرات الأخرى هي المطالعة، لأنني كنت مطالعاً من درجة عالية جداً، وقرأت كل ما في المكتبات التي ترددت عليها. كنت أستعير الكتاب بقرش واحد من مكتبة الهلال في إربد، بما في ذلك مجلات “المقتطف” و”الهلال” و”الرسالة”، التي كانت تُصور في ذلك الوقت، فالمطالعة شكّلت إتجاهاتي، والتي حددها حزب البعث في فترة الشباب. ويقال: إذا لم تكن شاباً ويسارياً، فلا قلب لك، ولكن إذا تجاوزت الخمسين وبقيت يسارياً فلا عقل لك! ويكاد ينطبق هذا الى حد كبير عليّ، وأعتقد أن تطوري لم يكن إنقلابياً، أو أنه إنتقل من الضد إلى الضد، ولكن الأمور نضجت بالتدريج.
س- هل كان والدك متعلماً؟
ج - والدي كان رجل أعمال، وكان يمتلك مطحنة في المحطة، ولكنه مرض، ولو بقي لصار من رجال أعمال عمان الرئيسيين، الذين أصبحوا في ما بعد، شخصيات تسمى بالاقتصادية، ولكنه مرض مرض الموت وهو السل، وإنتقل مع العائلة إلى الحصن، حتى يترك العائلة ضمن العادات الإجتماعية، لم يكن أمياً، ولكنه لم يحمل شهادات عليا، ولا حتى الثانوية، وخدم في الشرطة، وكان مع حكمت مهيار في فترة تأسيس الشرطة.
س - هذا يعني أنّ الأم قامت بدور الأم والأب، في نفس الوقت؟
ج - نعم، وبطبيعة الحال، الأم عندما يموت زوجها تصبح أقوى من المعتاد، فأستطاعت أن تجابه الحياة، والظروف الصعبة في وقتها أجبرتني على أن لا أكمل دراستي الثانوية، قدمت إمتحان المترك الأردني مع الصف الأعلى، ونجحت، وقد تكون هذه غلطة العمر، لأنه مع أنني لم آخذ هذا الصف، كانت درجتي 26 ، بينما لو أكملته قد أكون من الأوائل، وأذهب في بعثة، ولكنني عُينت معلماً في وزارة التربية، وكل دراستي كانت عن بُعد. يعني أخذت التوجيهي المصري في القاهرة، والباكالوريوس وكل الدراسات العليا عن بُعد.
س - ماذا تعني مدينة الحصن بالنسبة للدكتور فهد الفانك؟ الآن أصبحت من أهل عمان؟
ج - علاقتي بالحصن عادية، لإنني لم أولد هناك، وبقية عمري أكملته خارجها، والآن أنا بعيد عنها، لانه لم يبق لي شيء فيها. ولا أية أملاك. يعني أصبحت داري ممراً وشارعاً، بعد أن هدموا بيتنا للمصلحة العامة. أذهب إلى الحصن في المناسبات، في الأعراس ومجالس العزاء وزيارة الأخوات الموجودات هناك، وهذا كل ما هنالك، أي أنني أصبحت عمانياً مئة بالمئة.
س - بعد هذه المرحلة، بدأت تعمل في التدريس في الحصن، ماذا عن هذه المرحلة؟
ج - الحصن كانت تجربة حقيقية. كان عمري 17 سنة، كنت صبياً، كانت “لحيتي مش طالعة”، ولدرجة أن مفتش التربية جاء مرة إلى المدرسة، وسلّم على جميع المعلمين، ولم يسلم عليّ، ظناً منه أنني أحد التلاميذ، مع أن المدرسة فقط للصف السادس، يعني أنّه ظنّ أنّني بالصف السادس الابتدائي، ومرت أربع سنوات، وانا أدرّس في الحصن، وفي البداية، كنت أدرّس الصف الأول الإبتدائي، الكسرة والفتحة والضمة إلى أخره، ثم حين أصبحت المدرسة للصف السابع، أصبحت أدرس الرياضيات والطبيعة. كان أحد تلاميذي في ذلك الوقت عبد الرؤوف الروابدة، كان الأول في الصف، كان طالباً نبيهاً،
س - هل كانت المدرسة الوحيدة في المنطقة؟
ج - كانت المدرسة الوحيدة في بني عبيد، والطلاب من أيدون والنعيمة والصريح وكتم والحصن وشطنا وصمد كانوا يعتمدون على هذه المدرسة التي كانت تسمى مدرسة المكتب، وهي تأسيس تركي. يعني أسست في زمن الأتراك بنهاية القرن الثامن عشر.
س- بما أنك تتذكر عبد الرؤوف تكلم عنه قليلا؟
ج - أنا أتذكره لأنه هو الذي يذكّرني كلما يشاهدني إني أستاذه، والفرق بالسن بيني وبينه هو خمس سنوات، يعني هو من مواليد 1939 وطبعاً في ذلك الوقت كان أهم شيء يميزه أنه يأتي سيرا على الأقدام كطفل، ومعه محفظة فيها غذاء عادة رغيف “رضافي”. وكان متميزاً في الرياضيات والفيزياء التي كنت أنا أدرسها،
س - وماذا عن نشاطاتك الحزبية في ذلك الوقت؟
ج - كانت تتلخّص في تسييس الطلاب، مع أنهم في الصف السابع الابتدائي. حوالي 120 منهم كانوا يشكلون الحلقات التي أديرها لحساب حزب البعث، وبعضهم بقي مسيساً لفترة طويلة. ومرتين فصلت من الخدمة لأسباب حزبية، كان راتبي عندما بدأت 14 ديناراً ينقص قرشان، يعني الراتب الأساسي 6 دنانير ونصف الدينار، يضاف إليها علاوة غلاء معيشة وما شابه ذلك، فتصبح حوالي 14 ديناراً، ومع ذلك كنا نعيش أنا وأمي وأختي، وكنا نسدد منهم دينارين مقابل دين علينا كل شهر. كانت أمي ترسل الدينارين لأخيها الذي كان له علينا دين قديم. كانت الحياة سهلة لعدم وجود متطلبات. لم تكن هناك فواتير، تليفونات، سيارات، لا يوجد كهرباء، ولا يوجد ماء، كان هناك إكتفاء ذاتي. وكان لدينا خمس أو ست نعجات، نأخذ منهم الحليب واللبن وما شابه ذلك، والجرازي من صوفهم، كنا نعيش حياة إكتفاء ذاتي في الحد الأدنى. بعد الفصل من الوظيفة لمرتين، صارت الأمور أصعب. درّست بالخليل ومنها فصلت أيضاً، فتحولت إلى معلم بمدرسة خاصة في عمان، أدرس البنات مدرسة “السبتية”. في هذه الفترات كنت منتسباً إلى كلية التجارة في جامعة عين شمس. كنت أذهب أيام الإمتحانات فقط، مع أنّني كنت مسجلاً طالباً نظامياً، لكن الصف الواحد كان 2500 طالب يحضر منهم 500 فقط، وغير معروف “مين حاضر ومين غايب”، وعندما تخرجت، توظفت في البنك العربي سنة 1963 لعام 1966 ثمّ فُصلت مرة أخرى بسبب الحزبية، وسجنت لمدة خمس أشهر سنة 1966 . البنك العربي لم يعدني للخدمة، أنا الوحيد الذي قرر نظام الشرابي الذي كان مسؤولاً في ذلك الوقت عن شؤون الموظفين قرر عدم إعادتي، لأنني كنت قيادياً في الحزب، بعد ذلك عملت في سابا وشركاهم ست سنوات، وإنتهيت مفصولاً لأسباب مختلفة هذه المرة، لأنه بعض العملاء كانوا يتصلون معي بينما مديرنا سعد النمري كان يريد أن يكون هو وحده صلة الوصل مع العملاء. بعد ذلك توظفت في عالية الخطوط الجوية الملكية الاردنية، كنت مديرها المالي لمدة 13 سنة، وإنتهت سنة 1985 بالفصل أيضا بعدم تجديد العقد، وبذلك أكون قد فصلت من كل وظيفة. حتى منتدى الفكر العربي الذي عملت فيه لوقت جزئي، وكنت أعدّ مجلة المنتدى لمدة ثماني سنوات، إنتهت بالإستغناء عن خدماتي، إرضاء لمجموعة من أعضاء المنتدى الخليجيين، الذين إعتقدوا أنني عراقي الهوى، وبالتالي لن يدخلوا المنتدى طالما أنا موجود فيه، لذلك استغنوا عن خدماتي، وكانت هذه آخر مرة فصلت فيها، وتحولت إلى العمل الحر في مكتب خاص في تقديم الإستشارات ومكتب محاسبة .
س - نتوقف عند الملكية. أنت عملت في الفترة التي كان فيها علي غندور رئيساً لمجلس الإدارة، وهذه الشخصية إستحوذت على مساحة هائلة من الجدل لغاية هذا اليوم, ما تقييمك لدور علي غندور في الملكية في تلك الفترة؟
ج- علي غندور كان يعتقد أنه مؤسس عالية، وأنّ جلالة الملك إستدعاه وطلب منه التأسيس، بينما الواقع هو أنه جاء للأردن كلاجئ سياسي، لأنه حُكم بالإعدام في لبنان، وجاء للأردن، وكانت عاليه موجودة، وكان لها مدراء، فهو ثالث مدير عام بعد عبد الغني أبو قورة وإبراهيم عثمان، وعمل فيها كمدير للصيانة في المطار، يعني مسؤولاً عن دائرة الهندسة، ثم كانت علاقته مع جلالة الملك قوية. وعندما تحولت عالية من شركة خاصة إلى مؤسسة عامة سنة أصبح المدير العام، وكان رئيس مجلس الإدارة سمو الأمير الحسن، ثم أصبح علي غندور رئيس مجلس الإدارة بالإضافة لكونه المدير العام.
رأيي فيه أنه رجل أعمال من الطراز الأول، طراز دولي، ليس على مستوى رجال الأعمال المحليين، هو على مستوى رجال مدراء بوينغ وسيتي بنك وما شابه ذلك، وكانت أهم عناصر القوة عنده هي صلته المباشرة مع جلالة الملك، إذا أراد شيئاً يقول أنه أخذ رأي سيدنا، ونحن لا نعرف. كنّا ننفذ. وحتى الآن لا أعرف هل كانت كل هذه الأشياء فعلاً بناءً على طلب جلالة الملك ( شراء طيارات جديدة، فتح خطوط غير مجزية، إلخ) لكنه هكذا كان. كانت المسافة شاسعة بيننا، كان يوجد 10 نواب للمدير العام لكن المسافة الشاسعة بين المدير العام وبين نوابه.
إنما هو مسؤول عن نمو “عالية” بهذه السرعة الكبيرة. كان يسبق الأوضاع، يعني أنّه ليست الأوضاع وحركة السفر والشحن هي التي تفرض التوسع، كان التوسع يسبق كلّ شيئ. كان رأيه دائماً: ليس الطلب هو الذي يخلق السوق، إنما العرض يخلق الطلب، لأنك حين تعرض الخدمة ستجد من يطلبها، وبفتحك خطاً لأميركا لم يكن أحد يطلبه، وعند فتحه أصبح يوجد عليه طلب، وهذه نظرية، لكن أهم شيء أنه مولع بالنمو والكبر ، وكان يعتقد أنه هو اكبر من مؤسسة للطيران لبلد صغير، فيجب أن تكون هذه المؤسسة أكبر من البلد، وبالتالي أكبر من إحتياجاته. أيامه كانت “عالية” من أكبر شركات الطيران العربية لبلد هو من أصغر البلدان العربية، وهذا هو علي غندور: بمنتهى الذكاء، والعمل معه ممتع لحد كبير.
س- بعد الملكية بدأت رحلتك مع الصحافة؟
ج- لا، رحلتي مع الصحافة قديمة جداً، من سنة 50 وأنا أجرب الكتابة، ونشرت في جريدة الأردن في ذلك الوقت، ومجلة المهد التي كانت تصدر من بيت لحم، بعد ذلك كنت أكتب من وقت لآخر بشكل غير منتظم، فكانت تُنشر لي مقالات في الصريح والحوادث وأخبار الأسبوع، إنما في فترة وجودي بعد البنك العربي في فترة سابا وشركاه، بدأت أرسل مقالات بإنتظام إلى “الدستور”، وشجعني في ذلك الوقت، وبل أقول إكتشفني: إبراهيم سكجها. هو الذي إكتشف أنني أستطيع أن أكتب عاموداً، فقدمني للجريدة، وخاصة لجمعة حماد، ثم شجعوني أن أكتب زاوية أسبوعية، فكتبت لبعض الفترة، لأنني كنت أكتب في الإقتصاد فقط، ثم عند إفتتاح “الرأي” كان أمين أبو الشعر هو المكلف بالتأسيس فطلب مني أن أقدم زاوية إقتصادية أسبوعية، وبالفعل حضّرت مواداً لعددين أو ثلاثة، ولكن لأمر ما صار هناك تغييرات فيها، فقدمت المواد للدستور، فخصصوا لي صفحة إقتصادية تظهر كل يوم سبت. كان يوم السبت مهماً، لأنه لم يكن يوجد غير جريدتين في البلد، هما الرأي والدستور. والرأي كانت جريدة حكومية بحتة، أي أن الموظفين يعطلون الجمعة، فلا تطبع الجريدة ليوم السبت، فلا يبقى غير الدستور، وهي الجريدة الوحيدة في البلد في ذلك اليوم، وكانت زاويتي تأخذ وضعها، وخاصة أن الجريدة كانت 8 صفحات. فكانت مقروءة، وبهذه الفترة بدأت أكتب، وأصبحت لي زاوية، وأعتبرت نفسي جزئياً صحفياً غير متفرغ، واستكتبت بهذه الصفحة شخصيات مهمة جداً مثل واصف عازر وجواد العناني وتيسير عبدالجابر، كل هؤلاء كتبوا، وكنت أجري مقابلات معهم، نشرتها فيما بعد في كتاب إسمه الفكر الإقتصادي في الأردن وهو عبارة عن 30 مقابلة. إستمرت الزاوية حتى خرج إبراهيم سكجها من ”الدستور” ليؤسس جريدة “الشعب” فأخذ معه أصدقاءه، وأنا معهم، وكان لا يريد زاوية أسبوعية فطلب مني زاوية يومية، يعني عموداً، فكانت بداية كتابة العمود بشكله الحالي، ولم تدم الجريدة سوى حوالي سنة، فكان لي يومياً عمود إقتصادي، فعندما أغلقت “الشعب” جئت لـ”الرأي” ومن عام 1975 حتى الآن، وأنا أكتب يومياً بدون إنقطاع، حتى عندما عملت عملية قلب مفتوح، لم أعطل سوى يومين، وحتى لو سافرت لمدة شهر خارج البلاد كنت أسلم المقالات بعدد أيام غيابي. لم يكن هناك إنترنت لإرسال المقالات فالمسافر كان ينقطع، ومن عام 1975 حتى الآن، يعني 32 سنة من العمود اليومي في الرأي المنتظم.
س- ماذا يعني لك أن تكون الكاتب الأول في الأردن؟
ج- أنا لا أعتبر نفسي الكاتب الأو،ل ولكن بعض الناس يعتبروني كذلك.
س - ولكن إستطلاعات الرأي كلها تؤشر إلى أن فهد الفانك هو الكاتب رقم واحد من ناحية المقروئية؟
ج - نعم من ناحية عدد القراء يبدو أنّ هذا حقيقي، علماً بأن الذين يقرأوا لي على الإنترنت أكثر بكثير من الذين يقرأون على النسخة المطبوعة الورقية، طبعاً، أنا سعيد بذلك، والصعوبة هي في المحافظة على الموقع، لأنه مثلما يقولون “ أن هناك شعوراً بالوحدة في القمة” ومن الصعب المحافظة عليه. يوجد الآن جيل جديد من الصحفيين الذين سيحلون محلي، وأنا أشجّعهم، وحتى عندما يهاجمونني، فمثلا فهد الخيطان كتب أكثر من مرة، وجرب أن ينتقد ما أكتب، وكنت أتّصل به، وأشجعه، وأنا أظن أن له مستقبلاً.
س - تكتب المقالة بتقنية منفردة، ودائماً تستطيع أن تقدم فكرة جديدة في مقالك، من أين يأتي هذا البعد؟
ج - من إطلاعي. في الواقع أنّ لي صلات بإستمرار مع وزراء المالية الذين كانوا دائما أصدقائي، وكذلك محافظي البنك المركزي ووزراء التخطيط أيضاً، فكانوا يعطوني المعلومات، مع أن الصحافة تشكو دائماً من أن المعلومات غير متوفرة، وأنّ المسؤولين لا يعطون المعلومات، قد يكون صحيحاً أنّ المسؤولين لا يعطون المعلومات لأيّ كان، ولكن لو أنّ رئيس التحرير يُكلّف نفسه قليلاً، ويطلب من أي وزير فسيعطيه المعلومات، فأنا أذهب لهم لأخذ المعلومات منهم. مثلاً عندما كانت تقارير صندوق النقد الدولي سرية ومكتومة للغاية، أنا كنت آخذ نسخاً منها لأعرف ماذا يحدث بالبلد، وأعرف بماذا تعهدت الحكومة. فإن أعجبني جربت أن أمهد الطريق، وإن لم يعجبني جربت أن أنتقده حتى أجعل تطبيقه أكثر صعوبة، ولحد الآن لدي قنوات مفتوحة، وأعتقد أنها متاحة للجميع، ولأي مسؤول في الجريدة، فهو يستطيع أن يصل للمعلومة،
س- نلاحظ أن المقالات الصحفية صارت جزءاً من الحال المهنية، وصارت الجرائد تخصص مساحات واسعة للمقالات لدرجة أننا نرى في الجريدة الواحدة 24-29 مقالاً، ما رأيك في طريقة تعاطي صحفنا وتحديداً اليومية مع هذه المقالات؟
ج- هنا أعتقد أن الصحف اليومية تنشر هذا الكم من المقالات لعدم وجود المجلات، يعني الصحافة اليومية، أصبحت تقوم بوظيفة المجلة؟ أنا أعد أحياناً في جريدة الرأي 35 مقالاً، والحد الأدنى هو 28 لكن أنا أظن لو سألوا رئيس التحرير لأجابك أن أكثرها يقرأها من كتبها، فيعني القارئ لا يستطيع قراءة 35 مقالاً في جريدة واحدة، وإذا قرأ جريدتين صاروا 50 مقالاً، فالمقالات التي تقرأ محدودة، وبالتالي كثرة المقالات تشغل الفراغ، وتعتبر تمريناً للكتاب. والقراءة لا تعني أن القارئ يحب الكاتب، ممكن أن يكرهه. وأنا أظن أن رأس مال الكاتب هو أن يثير إهتمام القراء، لا أن يثير حبهم وعواطفهم، ومرة قال واحد أظن أنه ماركسي: طارق مصاروة يتلاعب بعواطفنا وفهد الفانك يتلاعب بعقولنا!
س- هل هنالك شكل من اشكال الضغوط قد مورست عليك في رحلة الكتابة؟
ج - طبعاً، وبكثرة، وأنا منعت من الكتابة 6 مرات، واحدة منهم لمدة سنتين، أيام زيد الرفاعي ومضر بدران، ولم أكن أتوقف عن الكتابة. كنت اكتب بأسماء مستعارة، وعندما ينكشف الوضع كنتُ أغير الإسم، ولم أنقطع عن الكتابة، وظللت أكتب بإستمرار، ولكن إسمي كان ينقطع عن الجريدة.
س- هل كان هذا بتواطؤ مع أصحاب الجريدة؟
ج- كان التواطؤ بيني وبينهم. يعني كانوا يريدون المقال، ولا يريدون معاندة رئيس الحكومة، وكانت شجاعة منهم، وإلى حد ما عُرف ذلك وانفضح، يعني لمدة سنتين وعلى الصفحة الأخيرة في “الرأي” عليها من فوق كتب المحرر السياسي، ومقال تحته كتب المحرر الإقتصادي فهذا مفهوم أن هذا طارق مصاروة والآخر فهد الفانك، ورئيس الحكومة عرف، ولكن إعتقاده إنه عندما لا يكتب الكاتب إسمه يكون معتدلاً أكثر، فعند عدم كتابة الإسم تشعر بأن لا أحد يحاسبك على المقال، فتكون معتدلاً، بينما إذا وضعت إسمك فأنت تشد على الحكومة أكثر.
س- ماذا عن رؤساء التحرير؟
ج - باقي المضايقات هي من رئيس التحرير الذي يعتقد أن المقال “صعب”، وكنت دائماً أحسب لهذا حساباً، فأكتب مقالات بديلة، إذا كان المقال صعباً على رئيس التحرير فالبديل دائما موجود، لذلك القارئ لا يعرف أنه يوجد مقال لي تم منعه، لأنه يجد أنني موجود كل يوم، ويوجد لدي ملف حديث غير قديم، يحتوي كل المقالات التي منعت من أربع سنوات لحد الآن، 40 مقالاً ممنوعاً نشرها، وأنا أحب الإحتفاظ بها كمقالات ممنوعة، وإنه يمكن أن يتم إستعمالها في المستقبل، ولكن أكثرها لا يستعمل، لأن فرصة المقال تمرّ، فالمقال اليومي إبن ساعته، فيوجد حدث معين تعالجه أحياناً بأجرأ من اللازم، لكن بعد مرور سنة عليه إنتهى الموضوع .
س - تتمتع بأعلى سقف للكتابة، هل تحصّل ذلك نتيجة إستنادك لمعايير صارمة في كتابة المقال، أو أن ذلك عائد إلى إنتشارك الواسع وحضورك في وسط القراءة؟
ج- أظن أنه يوجد اكثر من سبب، لكن السبب الرئيسي هو أنّ مقالي صار له مكانة معينة، فرئيس التحرير يتحمّل مني، ليس لأني رئيس مجلس إدارة،ولكن لأنه إذا كان هناك خطأ فالمسؤولية ليست عليه وحده، بينما لو أنّ الكاتب مجهول، أو المقال جاء من صندوق البريد يتحمل مسؤوليته ولا يمرره إلا إذا كان مقتنعاً به، السبب الآخر كما قلت إنّه يوجد مكانة معينة، ويعني بعد حد معين يستطيع الكاتب أن يقرر سقفه بنفسه، وأنا دائما أقول أن الصحفي يقرر سقفه بنفسه، وأنّ السقوف الواطية ليست مفروضة عليهم وإنما هم “فارضينها على حالهم”.
س - هل تم منع مقالات لك وأنت رئيس مجلس إدارة في جريدة الرأي بصراحة؟
ج- تقدر أن تسمح لي أن أمتنع عن الإجابة، خمن لوحدك!
س- هل كتبت في حياتك أشياء ليست لغاية النشر؟
ج - لا، كل ما أكتب لغاية النشر ،سواء نشرت أم لم تنشر فهي في ذهني لغاية النشر.
س- أنت من الناس الذين يقال عنهم أنهم متعاطفون مع النظام العراقي السابق؟
ج - أنا هواي عراقي، على الأقل إبتداءً من سنة 1990 يعني منذ أزمة الكويت، وإستمررت في ذلك لفترة طويلة، وبعد الإحتلال الأميركي، الآن توقفت. يئست حينما أصبح العراق الآن ليس العراق الذي أعرفه، ولا العراق الذي أتمناه، وبالتالي أصبح تأييد العراق لم يعد له نفس المعنى الذي كان في السابق. أنا كنت أعتقد أن العراق قومي، و له دور عربي، لأن العراق كان يدعم الأردن إقتصاديا وسياسياً لأنه عمق العراق، وكل هذا تغير، وبالتالي أصبح الموضوع بالنسبة لي مقاومة الإحتلال، يظل هناك سبب إضافي أن الإحتلال لأي بلد عربي نحن ضده، ولكن الموقع الخاص للعراق السابق إنتهى.
س - أنت شاهدت معظم التحولات التي صارت في الوسط الصحفي من صدور أسبوعيات، وإغلاق جرائد وموضوع الإنترنت ومحطات الإف إم، كيف تقيم الوضع ونحن على أبواب إنتخابات جديدة؟
ج - إذا كان سينظر إلى المقاييس الدولية فهي وضعت الأردن في المرتبة 122 لحرية الصحفية، هذه العملية مؤسفة جداً، وأنا أعتقد أن الأردن يجب يكون الأول عربياً، الأردن ليس أغنى بلد، ولا أكبر بلد، ولا أقوى بلد، رأس ماله شعبه ونظامه، فإذا كان هذا الوضع ليس ديمقراطيا فإن البلد معرض للخطر، الديمقراطية هي سياج يحمي البلد مثل الجيش، ولا أرى أي سبب للتخوف من حرية الصحافة، لماذا لا تطلق الحرية. القانون هو الذي يردع من يسيء. يوجد قاض ومحكمة، لدينا فرصة أن نقود الفكر العربي. نحن بلد حر، ونشكل مرجعية، والعالم ينظر للأردن بهذا الشكل. يعني الصحافة الأردنية تقرأ في الخارج حتى يفهموا الإتجاهات التي تجري في المنطقة ومع قليل من الإدعاء، الأردن ضمير الأمة العربية، الصحافة في الأردن هي ضمير الامة العربية، لهذا فأنا اتمنى أن الوضع يتحسن وبشكل ليس تدريجياً، بل مرة واحدة.
س- من تجربتك المهنية المتنوعة والتي امتدت لمراحل مختلفة من عمر الصحافة الاردنية، برأيك هل أن صحيفة “الرأي” الان، وأنت رئيس مجلس إدارتها، تمثل كل ما تطمح إليه من تطور مهني ؟
ج - لا تمثل كل طموحاتي، ولكنها من أفضل الموجود. الرأي مؤسسة ناجحة، يجب أن تنظر للرأي من زاويتين، زاوية صحفية، وزاوية الشركة المساهمة التي تنتظر النتائج، وطبعاً من ناحية الأعمال نجاحها باهر جدا بشكل غير طبيعي. وطبعا 60% من المؤسسة مملوكة من الضمان الإجتماعي، فنحن ثروة ل400 ألف عائلة ليس لعدد المساهمين فقط ،وإنما كل عائلات الأردن مساهمة في الرأي، فالرأي هي جريدة السجل، ما ينشر في الرأي يأخذ مأخذ الجد ولذلك تجد سقف جريدة أخرى أعلى من سقفنا، ولكن الأهمية تبقى للجريدة الممثلة للبلد، النعي لازم يكون بالرأي وإلا لا يعتبر، الكتاب من الصحف الأخرى يحاولون أن يأتوا للرأي لتحملهم، أنا أقول دائما أنا لا أحمل الرأي الرأي هي التي تحملني، الرأي إذا كان لي وجود فالرأي هي التي صنعته، مش أنا الذي صنعت الرأي، وإنما الرأي هي التي صنعتني، كل مؤسسيها ذهبوا واحد بعد الآخر، وهي تستمر في التقدم، فهي مؤسسة قبلي وبعدي، لكن الرأي تحمي الذين فيها، هي كمؤسسة هي الحامل وليس المحمول
س - بما أنك كاتب ومحلل سياسي في القضايا الوطنية، بالنسبة لقرار رفع الأسعار، تم تأجيله حتى مطلع العام القادم بسبب ظروف إجتماعية، هل بإعتقادك أن الخيار لا بد منه، أو أنه يوجد بدائل للتعامل مع هذا الإستحقاق؟
ج - المطلوب تنفيذ الجانبين، يعني رفع الاسعار والعمل على البدائل. الزيادة في الأسعار من ستين دولار للبرميل لتسعين يعني 50% لا تغطيها أية بدائل أخرى، لكن البدائل ضرورية، يعني أن يستمر المستهلك في نفس الكمية من البترول لا يجوز هذا الإسراف، الطرق الخارجية المضاءة ليس لها لزوم، نحن لسنا بلداً بترولياً، هناك تغيرات هيكلية لا بد منها لتوفير الطاقة وتخفيف إستهلاك البترول، لكن لا يوجد طريقة لحماية المواطن الأردني من إرتفاع الأسعار العالية، الإرتفاع في العالم كله يجب الإعتراف به، وإذا لم نعترف فيه سيدفع الفرق ضرائب الخزينة من أين ستدعم إلاّ عن طريق فرض الضرائب الجديدة يعني بالنتيجة سندفع الثمن إما أن يدفع من يستهلك البترول يدفع أول بأول أو يدفعوا الناس كلهم بصرف النظر عن الإستهلاك أيهما أعدل، الحل الأول. ان من يستهلك البترول يدفع أكثر. مثلا الذي يبيع شاورما ويصرف كل يوم عشر إسطوانات غاز لماذا تدفع له الحكومة 50 ديناراً يومياً كدعم بحجة فقير يستهلك إسطوانة واحدة، هذا ظلم، الذي يستهلك لا يدفع، الذين يدفعون هم الكل. بدل ما يدفع الكل يدفع المستهلك، وهذا يصبح حافزاً لتخفيض الإستهلاك.
س - هل يوجد فوائد إستثمارية عندنا تتركز في قطاع الاستثمارات في العقارات، كيف تقيم هذا الأمر، وهل له دلالات إيجابية من وجهة نظرك؟
ج - نعم له دلالات إيجابية في أنه يحضر عملة اجنبية. المستثمرون العرب الذين يبنون الابراج يحضرون أموالاً من الخارج، لكن يجب ان نفكر أن هذه الأموال يجب أن تخرج يوماً ما. الذي يبني شققاً يريد أن يبيعها، وعندما يبيعها تطلع الأموال، إذا أدخل ديناراً يُخرج دينارين، فالإستثمارات لها وجهان، ولكن الأردن بحاجة إلى الإستثمارات، والإستثمارات الحالية تحفز الإستثمارات الداخلية. أنا متفائل ولست متخوفاً من الإستثمارات، وأعتقد أن شدة الطلب بالذات على العقارات هناك مزايا تفضيلية للإستثمار العقاري، فلا داعي أن نأتي بشركة خليجية تريد تستثمر بالعقبة، فتأخذ أرضاً بدون مقابل، أو بثمن رمزي، لأنه عندما يريدون أن يبيعوها يبيعوها بالسعر الجاري، حاليا بالعقبة تباع الشقة بستة أضعاف الكلفة، أي أرباح هائلة، أولاً يجب أن يدفعوا ضريبة دخل، لأنهم معفيون بحجة أنّ العقارات ربح رأس مالي، ونعطيهم الأرض بمعاملة تفضيلية، ونعفيهم من ضريبة الدخل مثلا 5% وضريبة المبيعات مثلا كذا، والتسهيلات المقدمة لم يعد لها مبرر لأن الإستثمارات المتدفقة على الاردن ليست فقط كافية، وإنما زائدة عن الكفاية، وجاء الوقت ان نكون إنتقائيين ونقبل الإستثمار المفيد والإستثمار غير المفيد ليس له ضرورة
س - هناك شكوى عامة من أنّ آثار النمو الإقتصادي لا يلمسها المواطن العادي مما يعني إقرار ضمني أن هناك مشكلة، ما هو حل المشكلة من وجهة نظرك؟
ج - أنا أعتقد أن آثار التنمية تصل إلى الناس، والبرهان في نتائج المسح في دائرة الإحصاءات العامة أن 97% من بيوت الأردن يكون فيها تلفزيونات ثلاجات و40% يوجد لديهم سيارات خاصة كانت قبل التنمية قبل 35 سنة غير موجودة، فالرواتب العالية التي نسمع فيها لم يكن لها وجود، كان راتب محافظ البنك المركزي 300 دينار الآن عضو اللجنة يأخذ 3000د الدخل إرتفع حصيلته للجميع، البرهان على أن الإستهلاك الخاص يزيد بأسرع من النمو الإقتصادي يعني إذا كان الإقتصاد الأردني نما بنسبة 6% الإستهلاك الخاص كما هو بند من بنود الإحصاءات يزيد بنسبة أعلى، من الذي يعمل هذا الإستهلاك؟ الأغنياء، الأغنياء لا يزيد إستهلاكهم إذا زاد دخلهم، ولأنه هو واصل إلى حد الإشباع، لأن أكلهم وشربهم “مبحبح” للآخر ، وإذا جاءه دخل إضافي يدخره، أو يستثمره، أما الفقير إذا جاءه دخل إضافي يستهلكه لانه كان جائعاً، يريد أن يأكل إلى أخره، فكون الإستهلاك الخاص يزداد دليل على أن الطرف الفقير في المجتمع الاردني يستفيد من التنمية، وهذه مماحكة سياسية، يوجد نمو لكنه لا يصل إلى الناس، هذه مغالطة هدفها سياسي لإحراج الحكومة، أنا أدعي أن الطبقة الوسطى تحسن وضعها.
س - يوجد كثير من الخطط الإقتصادية التي تستهدف خطط التنمية، هل المواقف متناغمة فيما بينها لتحقيق الهدف الكلي وما هو واقع لرفع نسب النمو؟
ج - المؤسف أنها غير منسجمة مع بعضها، في الفترة الماضية كان دائما يوجد فريق إقتصادي وزاري يضم وزراء الجهات الإقتصادية ومحافظ البنك المركزي، الآن لم نعد نحس بوجود فريق إقتصادي، الفريق الإقتصادي ضروري لانه يضمن الإنسجام بين المسؤوليين. يوجد لدينا قطاعات الإتصالات والنقل والزراعة والصناعة هؤلاء بدل ما يعمل كل قطاع لوحده، لو كان يوجد فريق إقتصادي لكانت خططهم تدرس، ونضمن الإنسجام فيما بينهم، الحاصل عمليا حاليا يكاد لا يوجد فريق إقتصادي وإن كان يوجد لا نشعر بوجوده، ومن هنا يمكن ان يكون هناك تفاوت في الخطط وعدم الإنسجام بينهم،
س- ما دمنا نتحدث عن موضوع الملف الإقتصادي هل هنالك شيء إسمه ملف إقتصادي؟
ج - في المجال الإقتصادي عندي تخوفات تخص السنة القادمة 2008 التي سيتم فيها رفع أسعار المحروقات، وبالتالي سترتفع الأسعار لان المحروقات تدخل في مجال الصناعة والزراعة والنقل وكل شيء، فنسبة التضخم ستكون مرتفعة السنة القادمة، إذا لم ترفع الأسعار ويلغى الدعم سيكون التخوف على الموازنة سيصبح العجز فيها 8% يعني أكثر من العجز الذي أوصلنا إلى صندوق النقد الدولي، وكأننا نصبح مرة أخرى بحاجة إلى تصحيح، وهذا الشيء يجب أن نتجنبه بأي ثمن، المفروض أن يتم التحضير للسنة القادمة من اليوم، وأنا أشك أن تستطيع الحكومة بتاريخ 1/1 أن تعالج الأمر، لانه كان أسهل أن تأخذها في وقتها، لانه سيأتي مجلس نواب جديد، ومجلس النواب الجديد صعب أن يوافق على قرار رفع الأسعار. حتى من خلال الحملة الإنتخابية ورفع الشعارات فهي ضد رفع الأسعار، وأعتقد أن الحكومة فوتت فرصة، خاصة بعد أن هيأت الرأي العام لها، ونشرت الدراسات، وأصبح الناس يتوقعون إرتفاع الأسعار إعتبارا من بداية الشهر القادم، وذلك عندما غير رئيس الحكومة رأيه وإستقال وزير المالية وهذه أول مرة يسجل وزير المالية موقفاً.
س - من خلال بعض المقالات التي قرأتها لك فهمت أن هنالك تأييداً لبعض مواقف حكومة معروف البخيت،علما أن هذه الحكومة مرت بأزمات متلاحقة، وفي بعض المنعطفات أجد أنك كنت تصر على هذه المواقف هل موقفك إيجابي من هذه الحكومة؟
ج - نعم موقفي إجمالا إيجابي، وأنا أعتقد أن هذه الحكومة قابلة للنقد وقابلة للإستفادة منه، وأيضا حين يقول الرئيس عن نفسه أنه إبن الطبقة الوسطى، هذا صحيح أنا أشعر أنه واحد منا، مش من نادي الرؤساء السابقين، فهو يستحق الدعم والتأييد وهذا لا ينفي النقد. يعني أنا غير ملتزم مع الحكومة، فأؤيدها بالخير والشر، أؤيدها بالخير وأعارضها بالشر، وعارضتها كثيرا على عدم رفع الأسعار، وعارضتها أيضا على مواقف أخرى، ولكنني أعتقد أنه لن تأتي حكومة أفضل منها، وأنا أعتقد أنها حكومة نظيفة والرئيس يستحق الدعم
س - أنت عاصرت مجموعة من رؤساء الوزارات في مراحل عملك، ما تقييمك للمهارات السياسية للرئيس معروف البخيت؟
ج - يجب معرفة أنّ جزءاً كبيراً من العملية السياسية تتم في الديوان الملكي، وأن الحكومة جزء من هذه العملية، وليست كلها، هنالك قيود وحدود وشراكات يجب أن تأخذ بالحسبان.
س - بالنسبة لإجراء الإنتخابات النيابية وسط هذه الظروف في إقليم مضطرب كيف تنظر له؟
ج - للانتخابات ضرورة، بصرف النظر عن الظروف، في حالة الحرب تجري إنتخابات. نحن في وضع مستقر، نحن في أحسن وضع للإنتخابات، ولحسن الحظ أنها ستجري في موعدها.
س - يوجد نظريات كثيرة تتحدث عن إعلام الدولة، وإعلام الحكومة. ونحن على إمتداد هذه التجربة السياسية التي قلت عنها أنها متميزة، هل تعتقد أننا إستطعنا أن ننجز فهماً وطنياً لدور الإعلام، سواء الإعلام الرسمي أو الإعلام الخاص؟
ج - أنا أعتقد أننا مقصرون جدا بحق الإعلام من جانب الحكومة أم من جانب الإعلاميين، المفروض الإعلام في الأردن أن يكون صوته أعلى، ويكون صوته في المجال العربي والعالمي أقوى بكثير من ما هو موجود هذه شيء مؤكد.
س - أنت ككاتب مرموق، دائماً لك حضور في فعاليات سياسية وثقافية، يعني مثلا قبل بضعة أيام يقول عبد الرؤوف الروابدة أننا كرؤساء وزراء لا يوجد لنا شغلة ولا عملة إلا أن تذهب للجاهات، هل تدخل في هذه الجوانب الإجتماعية في ترؤس الجاهات، هل عمرك طلعت أو ترأست جاهة؟
ج - كلا لا أشارك في هيك نشاطات، إلا إذا كان هذا الأمر يتعلق بأقاربي، يعني أنا أصبحت أكبر واحد سناً، فلذلك في حالة وجود خطوبة أو زواج إلى أخره بدل ما نستدعي رئيس وزارة يقوم بالعملية أمثلهم أنا.
س - بالنسبة لزواجك هل تزوجت بصورة تقليدية أو كان هناك قصة؟
ج - لا، تزوجت بصورة تقليدية، كانت إبنة عمي، وكان هناك إستلطاف متبادل، وليس لدرجة الغراميات الساخنة. إستلطاف متبادل صادق، ومعرفة وجيرة وقرابة، يعني ما غيّرت إسمها بعد الزواج!
س - هل كان لزوجتك الفاضلة أم جهاد دور في نجاحك؟
ج - لها دور كبير، وهي تقرأ مقالاتي وهي مسودة، وتحتج عليها (شو بدك بهالحكي، بضرك ما بنفعك إلى أخره) فهي عاملة مراقب مطبوعات علي، وتخشى أن هذا يؤثر ليس فقط علي... إذا أنا مش سائل سيؤثر سلباً على أولادي!
-س هل لاحظت أن لديها حساً مهنياً وأمنياً في بعض الأشياء تغيب عنك؟
ج - لديها حسّ بالخطر، لهذا قلّ ما أخذ رأيها إذا كان هناك مقال يوجد فيه شيء حساس فأخفيه عنها، إلا وهو مطبوع فتلومني وهو مطبوع !
س - بالنسبة لأولادك تحدث لنا عنهم؟
ج - أولادي لدي ثلاثة أولاد ذكور، وإبنتان. الثلاثة مهندسون، جهاد مهندس مدني لكن يعمل في المبيعات، ونجيب مهندس مدني ويعمل بالتعهدات، ومأمون يحمل دكتوراه في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن ويعمل مع دار الهندسة، غادة مديرة مكتب مبيعات الإيرفرانس في الأردن، ونادية متزوجة من ماهر مطالقة، ودارسة زراعة مهندسة زراعية
س - كثير من الذين يعرفوا جهاد إبنك يقولون أنه صورة عن أبو جهاد نفسه؟
ج - إبن حلال!
س - لماذا برأيك لم يتجه إلى مهنة والده؟
ج - لا أحد من أولادي إتجه إلى مهنة والده، غادة مثلاً حاولت في وقت من الاوقات أن تكتب في “الدستور” مراجعات للسوق المالي، وعملت رقماً قياسياً للسوق المالي، ولما أصبح عملها ناجحاً تركت هذا العمل، ليس لديهم هذه الميول، وأتمنى عليهم المطالعة. يوجد لدي مكتبة متاحة لهم، لا يهتمون بها. إهتماماتهم هندسية وإجتماعية، وليست إعلامية.
س - بالمكتبة كم من ساعة تقرأ في اليوم؟
ج- يعني مع الزمن أقرأ أقل كنت أقرأ 6-7 ساعات في اليوم سابقاً، وهذه الكمية تتناقص بالتدريج، لم أكن أنظر
إلى التلفاز لكن الآن أعطي التلفاز حصة، يجب أن أقرأ الصحف اليومية والأسبوعية كلها، يعني أتصفحها، أقرأ الأشياء التي تثير إنتباهي، يعني هذا يحتاج إلى ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم في الصحافة، إنما القراءات المتنوعة الأخرى يمكن أن تأخذ ساعتين يومياً.
س - من خلال قراءتك للصحف والكتاب، من الكاتب الذي تشتم فيه رائحة كاتب واعد في المستقبل قد يكون بنفس سوية فهد الفانك؟
ج -فهد الخيطان، أنا سعيد بأدائه، حتى يظل إسم فهد بالصحافة موجود، وتحية افهد الريماوي.
س - تحدث لنا عن قبولكم في نقابة الصحفيين، بعد فترة طويلة من العمل الصحفي، كان ذلك يتطلب فترة تدريب حتى تدخل في عضوية النقابة، ماذا كانت تعني لك هذه الخطوة، أو أنت لست بحاجة لهذا الإعتراف في عملك؟
ج - أنا بحاجة لعضوية النقابة ليس للمزايا. الذي كان يؤخرني عن دخول النقابة هو اني عضو في نقابة مدققي الحسابات، فلما قررت الخروج من تلك المهنة خرجت من كوني مدقق حسابات، وألغيت رخصتي، وسحبت من نقابة المدققين، عندها دخلت في نقابة الصحفيين لأنها بإعتقادي منظمة ديمقراطية، أحب أن أحضر الإنتخابات يعني ميزة ان شخص يحضر الهيئة العامة، وينتخب فلاناً أو فلاناً، لا يوجد مزايا مادية بالعكس في إشتراكات ندفعها، ما إستفدت شيئاً ولا بقصد الإستفادة منها، بحب أستعمل كلمة صحفي، وفي القانون ممنوع أن يدعي الإنسان أنه صحفي دون أن يكون عضواً في نقابة الصحفيين.
س - هل تواظب على أداء طقوس الدينية؟
ج - لا أنا لست متديناً، ولا أمارس أية طقوس دينية، ولا أذهب للكنيسة إلا لحضور عرس أو جناز.
س- لحد الآن أنت متأثر بتلك الأفكار اليسارية؟
ج - لا ليس هذا بسبب تلك الأفكار، أنا لا أريد أن أظلمهم، حزب البعث ليس ضد التدين،
س - مَن من الأصدقاء الذين دائما تراهم وتحرص على لقائهم؟
ج- أخشى أن أقول أن أصدقائي قلة، لدي معارف كثيرون، ولكن أصدقائي قليلون، أهم صديق لي ومضت فترة لم أشاهده واصف عازر وشبيب عماري، هؤلاء أصدقاء بالمعنى الشخصي، إنما كثيرون هم معارف يمكن تسميتهم أصدقاء مجازاً!
س - هل يوجد أصدقاء يتذكرون يوم ميلادك، ويحرصون على أن يتواصلوا معك إجتماعيا؟
ج- لا يوجد. أنا متهم من قبل زوجتي أنني لست إجتماعياً، وأنني إنعزالي، إنطوائي إذا شئت.
س - هل تعترف بهذا؟
ج - نعم أنا أعترف بأنني غير ماهر حتى بالمحادثة، إذا جاءني صديق مشكلة، لأنه يجب أن يتكلم، إلا إذا أثارني بقضية معينة عندها أنطلق، إنما الأحاديث الإجتماعية والتسلية لا أجيدها.
س - يعني كل حياتك إتجه لتطوير مهنيتك؟
ج - أنا بداخلي أنطوائي أتحدث مع نفسي كثيراً، أسرح كثيراً، أخاطب نفسي داخليا، أفكر بصمت.
س - ألا تحس أنك بحاجة إلى الإتصال بالآخر؟
ج - بحاجة، ولكن ليس هناك مقدرة يوجد أناس يسلّونك ولكني لا أسلّي!
س - لدي سؤال أخير، بعد هذه الرحلة المهنية والحافلة بالنجاح، هل أنت سعيد بالذي حققته أم أنك تستحق أكثر؟!
ج - هذا يحتاج تفكيراً طويلاً، لا أخطط لنفسي، يوجد أناس يخططون لأنفسهم وبعدها يقيسون، هل حققوا الخطط أم لا، لا يوجد خطة لذاتي إنما أول بأول، أنا أعتقد بالنظر لظروف طفولتي المعيشية والعائلية، فالذي حققته كثير، إنما بالمقارنة مع أشخاص آخرين مثلي لم أحقق لا ثروة ولا سياسة ولا نفوذ ولا مناصب..