حين تم تكليف الحكومة بإكمال ما كان يجب أن يقوم به الدكتور عون الخصاونة قلت في نفسي ( أعانهم الله على المهمة الوطنية في هذه الظروف الصعبة ). فقبول المهمة في الظروف العادية شهية للجميع ، لكن قبولها في الظروف الصعبة أمر مختلف، حيث يصعب إرضاء الناس في حقول الألغام .
لقد كان بإمكان الحكومة القيام بإكمال المشوار المتعلق بالانتخابات ومن ثم الرحيل ، لكنها راحت باتجاه الملف الاقتصادي بدل الملف السياسي، وهذا أمر عجيب !!
فمتى صاغت الحكومة البرنامج ؟ وهل البيان الوزاري هو البرنامج ؟ وهل الفريق الحكومي الذي اجتمع للقسم تداول في البرنامج وأعلن الاتفاق على برنامج اقتصادي ؟ الحقيقة غير ذلك ، فقد كلف الرئيس فجأة بعد الذي جرى مع الحكومة السابقة ، ولم يكن هناك مجال للاستعداد بل الانصياع للأمر الملكي . وكنت أتمنى لو أن الرئيس قاد الفريق الحكومي الذي كان مع عون الخصاونة باعتبار المسألة مسألة تكميل ، لكننا رأينا عملية تجميع لوزراء من هنا وهناك ولاعتبارات المحاصصة والتمثيل الذي اعتدنا عليه وللأسف . وكنت أتمنى لو أن الحكومة قامت بتسيير الأعمال المختلفة دون عمليات عميقة في الجراحة التي لم تخضع للتدقيق من أجهزة الطب الحديثة .
لو أكملت الحكومة المسألة السياسية بالحوار مع الفئات السياسية ومحاولة إقناعها لتقدير الظروف التي يمر بها الوطن وما يحيط به من حرائق ضخمة، لكان ذلك هو الخط الصواب . لكن الحكومة أدارت ظهرها للملف السياسي ولم تسمع صوت الشارع ، وراحت إلى العنوان الخطأ حين التقت ببعض الأحزاب التي لا وزن لها في العير أو النفير فكانت نقطة ضعف لا نقطة قوة .
لم تتحسس الحكومة وجع الناس فراحت تسرب رفع الأسعار شيئاً فشيئاً وظنت أن التجرع الشعبي سيتم دون آثار سلبية، وكان هذا تقديراً خاطئاً. ونسيت الحكومة أن المرحلة مرحلة شعوب لا مرحلة صندوق النقد ، كما نسيت الحكومة أن المرحلة مرحلة إعلام، فكيف فتحت على نفسها باباً كانت هي في غنى عنه، وهو قانون المطبوعات دون استشارة ذوي العلاقة .
ولم تلتفت الحكومة للبطالة والفساد الذي يتحدث عنه الشارع، وإذ بها تقرر سلسلة تعيينات لا يمكن أن تسمى إصلاحاً إن لم يتم تسميتها فساداً !! ونسيت الحكومة أن حصولها على الثقة لا يعني أن تفعل ما تريد دون رضا البرلمان ، ولهذا رأينا النواب يثأرون من الحكومة بسبب فهمها غير الصحيح . نعم أخطأت الحكومة وما كنا نتمنى لها هذه الأخطاء القاتلة ، التي استدعت التدخل الملكي في الوقت المناسب، لأن اللعب بالأسعار في هذا الظرف هو لعب بمستقبل البلد بأكمله.
نتطلع لسرعة مرور هذه الشهور الأربعة لنرى بلدنا بخير، وقد اجتاز الامتحان الصعب الذي يمر به .
العرب اليوم