خضعت الاردن للحكم العثماني من 923- 1337هـ 1516- 1918م . اي اربعة قرون . فقد استولى العثمانيون على ايران وشمالي العراق بعد انتصارهم على الصفويين في معركة جالديران عام 1514م ، وانتصروا على المماليك في معرمة " مرج دابق " عام 1516م فسيطر العثمانيون على بلاد الشام بقيادة السلطان سليم الاول ، وقتل السلطان المملوكي قانصوه الغوري واسر الخليفة العباسي الخامس والخمسين " المستمسك " . وبعد معركة " الريدانية " عام 1517م دخل العثمانيون مصر بعد هزيمة السلطان المملوكي الاخير " طومان باي " فخضع المشرقي العربي ومصر للعثمانيين بعد انهاء الحكم المملوكي ، فوضعت البلا العربية تحت الحكم العثماني المباشر وتمتعت سورية بالحكم الذاتي . فعين السلطان واليا عليها "جان بردي الغزالي " ولكن بعد وفاة السلطان سليم اعلن الغزالي انفصال بلاد الشام عن الدولة العثمانية ، مستقلا بها ، معلنا نفسه سلطانا ، واتخذ لنفسه لقبا " الملك الاشرف " وامر بالدعاء لنفسه على المنابر في الخطبة ونقش اسمه على النقود . فارسل العثمانيون اليه جيشا لم يكن بمقدروره مقاومته فاستسلم واعدم سنة 1521م ، والغي الحكم الذاتي عن بلاد الشلام ووضعت البلاد تحت ادارة الولاة العثمانيين وخضعت مباشرة للباب العالي .
وقسمت الدولة العثمانية بلاد الشام الى ثلاث سناجق او ولايات هي ؛ دمشق ، وحلب ، وطرابلس . وكانت شرقي الاردن تتبع لدمشق وقد حكم العثمانيون شرقي الاردن اسميا ، فلم تهتم الدولة الا بقافلة الحج الشامي . وقد حاول زعيم منطقة لواء عجلون الذي شكل عام 1517م الامير البدوي محمد سعيد الغزاوي حاول مقاومة السيطرة العثمانية على البلاد وتمرد عليها ، وقد تمكنت الدولة من احباط تمرد الغزاوي الا انها ابقت على حكم عائلة الغزاوي في منطقة عجلون . وقد اتبعت الدولة سنجق عجلون مباشرة لاستانبول منذ عام 1591م . في العام الذي استبدلت فيه السناجق بالايالات فكانت شرقي الاردن تتبع لايالة شام شريف ، وفي القرن السابع عشر تنازع عجلون والكرك الامير فخر الدين المعني واحمد باشا الحافظ والي الشام ، واثنين من آل الغزاوي هما الاخوين حمدان بن قانصوه الغزاوي وشقيقه بشير الغزاوي ، فعيت الحكومة العثمانية الامير البدوي فروخ بن عبد الله عليها .
اما في القرن الثامن عشر فقد خضعت اربد وعجلون للامارة الزيدانية في قرية "تبنة" من عام 1760- 1775م تحت حكم احمد ظاهر عمر الزيداني ، ثم سيطر على البلاد احمد باشا الجزار حاكم عكا من 1776- 1804م .
وسيطرت القبائل البدوية على شرقي الاردن في القرن التاسع عشر ، واصبحت شرقي الاردن مرتعا للقبائل البدوية من نجد والحجاز وبادية الشام والعراق وصحراء سيناء . كقبيلة بني صخر ، وعباد والسرحان والعجيلي والسردية . فكثيرا ما قدمت عشائر عنزة وشمر من العراق ، والشرارات من الحجاز ، وكانت عنزة تؤجر جمالها للحجاج من سورية والاردن . واستقرت بعض العشائر في منطقة البلقاء مثل قبيلة عباد التي كانت في حرب دائمة مع بني صخر حتى منتصف القرن التاسع عشر ثم اصبحت في حرب دائمة مع العدوان واهل السلط وعشائر البلقاوية عامة . كما استقرت عشيرة العدوان التي دخلت في صراع مع بني صخر وحلفائهم عباد ، ودخلت العدوان في صراع مع الرولة من عنزة ، ومع عشيرة الغنيمات في مادبا ، كما استقرت عشائر العمرو والحمايدة والترابين حول الكرك ، وكانت قبائل بني حميدة والحجايا والسليط والحويطات تحيط بالطفيلة . اذ كان نفوذ الحويطات يمتد من الكرك حتى المويلح في الحجاز . وكانت الحويطات تاخذ اتاوة من محمل الحج الشامي والمصري ، وتقوم بتاجير ابلها الى الحجاج المصريين ، اما الاحيوات والعلاويين والعمران في استقروا في العقبة ووادي عربة . وكانت هذه القبائل خاصة بني صخر تأخذ الخاوة من قرى جبل عجلون .
وقد انشأ العثمانيون امارة للحج وانشأوا القلاع في شرقي الاردن للحفظ على امن الحجاج . وقد استمر ارتباط الاردن بدمشق الى الحملة المصرية عام 1831م. ففي تلك السنة ارسل والي مصر محمد علي باشا ابنه ابراهيم باشا الى بلاد الشام على راس قوة تمكنت من الانتصار على جيش العثمانيين والسيطرة على بلاد الشام ، وقد حاول في البداية ان يطبق الادارة المركزية المتبعة في مصر على بلاد الشام ، وقام بفتح بالاد الشام امام الارساليات التبشيرية ، واهتم بالتعليم ، وحاول فرض الضرائب وتنظيمها ، ونزع السلاح من الاهالي ، لمنع الحروب الاهلية . وقد وضعت حكومة محمد علي بلادنا تحت امرة حاكم عام هو الامير بشير الشهابي . ثم عين محمد شريف باشا واطلق عليه حاكمدار عربستان . وغيرت الادارة المصرية الايالة الى المديرية ، وقسمت المديريات الى متسلميات .فقد شكلت في شرقي الاردن متسلمية عجلون عين عليها حسن بك اليازجي . ثم محمد آغا الشوربجي . وقد ثار في بلاد الشام الاهالي ضد الادارة المصرية ؛ فثار اهل القدس ونابلس . فقد راس قاسم الاحمد الجماعيني ثورة نبلس سنة 1834م وقد اضطر للجؤ الى شرقي الاردن وتحصن في الكرك . كما ثارت عجلون على الحكم المصري عام 1839 تزعم الثورة محمود الرفاعي . كما ثارت القبائل البدوية في شرقي الاردن كعرب الغزاوية وعرب الصقر . وقد عينت الادارة المصرية الشيخ يوسف الشريدة متسلما لعجلون .
وفي عام 1840 اجتمعت بريطانيا وروسيا والنمسا والدولة العثمانية .للخروج من مأزق سيطرة محمد علي وابنه ابراهيم على الشام وتهديد المصالح لهذه الدول . فوجهت هذه الدول في اجتماع لندن انذارا لمحمد علي باشا لسحب جيشه من بلاد الشام وفرض عليه البقاء داخل مصر والسودان فقط . ووضع حدا لمشروعه الوحدوي التحديثي ، واضطر للانسحاب طوعا . لانهم هددوه بانتزاع مصر عنوة ان لم يفعل .
وبعد انسحاب ابراهيم باشا وجيشه من البلاد اصبحت شرقي الاردن بلا حكومة خلال الفترة من 1841- 1849م وتركت الدولة العثمانية البلاد للزعامات المحلية وجعلتها تابعة اسميا لولاية سورية .
وفي عام 1851م انشأت الدولة العثمانية قضاء عجلون ومركزه اربد ملحقا بلواء حوران ، وفي عام 1866 انشأ قضاء البلقاء ومركزه السلط ، ملحقا بلواء حوران ، واحيانا يلحق بنابلس او بيروت ، وفي عام 1893 تم انشأ لواء معان الذي يضم الكرك والطفيلة ، ومنذ عام 1894 اصبح يسمى لواء الكرك ، ملحقا بولاية سورية ، وكان يمتد من نهر الموجب الى تبوك ودائن صالح .
وخلال الفترة من 1864-1908 شهدت بلادنا الدور الثاني من الادارة العثمانية ، وصدرت خط همايوني ، والتنظيمات الخيرية . وانشأت مجالس روحية للديانات خاصة المسيحية تحت حماية الدول الغربية . وصدر قانون الولايات عام 1864م متأثرا بالنظام الفرنسي . حيث قسمت الدولة الى 27 ولاية والغيت الايالات ، وقسمت كل ولاية الى سناجق واقضية ونواحي وقرى . يرأسها متصرفون وقائمقامون ومدراء نواحي ومخاتير .
م واجريت انتخابات مجلس المبعوثان . حيث فاز فيه 16 مبعوث اي نائب عربي .
وفي عام 1865 اعيد تشكيل ولاية سورية الى 8 الوية منها في شرقي الاردن ؛ لواء البلقاء ، ولواء حوران ، ناحية الرمثا ، قضاء عجلون ، قضاء السلط ، ثم شكل لواء الكرك عام 1892م ، حيث كان قضاء من 1868م ، وقضاء معان 1870ضمن لواء البلقاء .
كان اول دستور صدر في الدولة العثمانية عام 1876 وانشيء مجلس نواب ( مجلس مبعوثان ) وجرت اول انتخابات نيابية عام 1877، وقد حل عام 1878 ، وبقي البرلمان العثماني معطلا الى 1908 فاعيد العمل به بعد الثورة الدستورية ، وجرت انتخابات 1908 وفاز فيها توفيق المجالي مبعوثا عن لواء الكرك وانتخب ايضا للفترة من 1914- 1918 ، وهو المبعوث الوحيد الذي مثل شرقي الاردن في مجلس المبعوثان . واسست الدولة مجالس للولايات وقد مثل الاردن عدد من الشخصيات هم ؛ عبد العزيز الكايد عن عجلون ، صالح المصطفى العجلوني ( التل) ، مصطفى حجازي ، علي خلقي الشرايري ، سلطي الابراهيم ، واستمر المجلس الى عام 1913م. وفي عام 1914 فاز عن الاردن عودة القسوس ، يوسف السكر ، عبد النبي النسعة ، عبد المهدي المرافي ، نجيب الشريدة، عبد القادر التل ، شوكت حميد .
وانشئت سكة حديد الحجاز عام 1900 من دمشق ووصلت عمان 1902 وفي 1908 وصل اول قطار الى المدينة المنورة والمسافة بين دمشق والمدينة 1320 كم منها 420 تمر عبر شرقي الاردن . .
في عام 1908م ارغم السلطان عبد الحميد على اعلان الدستور . ثم ما لبث ان اجبر الاتحاديون السلطان على التنازل عن الحكم عام 1909واعتقلوه ، وعينوا بدلا منه السلطان محمد رشاد باسم محمد الخامس .
وقدثارت الشوبك عام 1905 و ثارت الكرك عام 1910 معارضين عملية تعداد النفوس لما سيترتب عليه من ضرائب وتجنيد اجباري ، وجاء اليها القائد سامي باشا الفاروقي لتأديبها ، ولاحق شيوخ العشائر الثائرين ، حيث اعدموا بعضهم في الكرك ، وبعضهم في دمشق ، وقتلوا 99 شخصا في قرية العراق في الكرك ، وقتل زعيم ثورة الكرك الشيخ قدر المجالي عام 1912 مسموما في دمشق بعد ان دعاه والي سورية لزيارته ، بعد صدور العفو العام .
وفي عام 1914 اندلعت الحرب العلمية الاولى بين الحلفاء ودول المحور ، واعلن سياسة " سفر برلك " النفير العام . ورافقها سياسة جمال باشا السفاح في سورية الذي علق احرار العرب على المشانق في دمشق وبيروت عام 1915م ، وانهزمت الدولة العثمانية في الحرب . بعد ان اشترك العرب فيها الى جانب الحلفاء من خلال الثورة العربية الكبرى عام 1916 . بعد ان خاطب 35 نائبا في مجلس المبعوثان الشريف الحسين ، معلنين اعترافهم به رئيسا على جميع البلاد العربية ، واقروه على امارة مكة .
اما سكان شرقي الاردن فغالبتهم من المسلمين ، وتوجد اقليات مسيحية اردنية واقلية مسيحية ارمنية جاءت الى الاردن عام 1915، وقليل من اليهود والبهائيين . وهناك اقلية مسلمة من غير العرب ، من الشيشان والداغستان ، وكان اول وصولهم الى شرقي الاردن عام 1864 حيث سكنوا الزرقاء والرصيفة والسخنة وصويلح وعمان . اما الشركس فقد جاءوا الى شرقي الاردن عام 1877 وسكنوا عمان ووادي السير وجرش وناعور وصويلح .
اما بالنسبة للتعليم في العهد العثماني فقد افتتحت اول مدرسة اجنبية في الكرك عام 1875 . واول مدرسة للذكور في الكرك عام 1894 ، واول مدرسة اجنبية للارساليات التبشيرية الاجنبية في السلط عام 1850 ، اما اول مدرسة حكومية في السلط فكانت عام 1880.