المشكلة أكبر من قضية الأسعار
د. اسامة تليلان
03-09-2012 08:00 PM
المشكلة ليست برفع أسعار المشتقات النفطية رغم أثرها السلبي الكبير على الناس وعلى مستوياتهم المعيشية الصعبة وانما في اطار البيئة العامة التي اتخذ فيهاالقرار ، فالبيئة لأي قرار جزء اساسي ومهم لإسباغ الشرعية عليه.
في دول وحالات كثيرة يتم اللجوء من باب الضرورات الى رفع أسعار معينة بعد ان تكون الحكومات قد استنفذت كافة الطرق وطرقت كافة الابواب قبل ان تتجه الى جيب الموطن ، شريطة اقتناع شرائح المجتمع بضرورة هذه الاجراءات وسلامتها، وان تكون مقتنعة قبل ذلك بوجود حالة راسخة من الشفافية والمسائلة العامة وسيادة القانون والعدالة والحرص على المصلحة العامة، مما يولد شرعية وقبول لمثل هكذا قرارات صعبة ومؤلمة وقد تكون اصعب من ذلك ويتحملها الناس.
البيئة التي سبقت اتخاذ قرار رفع المشتقات النفطية لم تكن مناسبة بل يمكن التأكيد انها كانت بيئة استفزازية وغير ملائمة واقلها في الامور التالية، فعلى مدار الاسبوعين والناس تتدوال بعدم الرضى جملة من قرارات التعيينات في المناصب العليا، أحيت لديها الإحساس بعدم العدالة وبالطابع الشخصي لهذه القرارات،
والثاني أن حبر التوقيع مع دولة الكويت على اتفاقية للمساعدة المالية لم يجف بعد،
والثالث ان الاخفاق في معالجة ملف الفساد سيستمر في خلق الكوابح أمام أي قرارات تكون جيوب المواطنين فيها الطريق لتغطية العجوزات المالية وكذلك سيستمر هذا الاخفاق في وضع سيادة القانون أمام تحديات صعبة من المستحيل تجاوزها،
والرابع استمرار الحكومة واجهزتها بالحفاظ على مستوى من الترف الإداري الذي لا يتناسب مع طبيعة الضائقة المالية، فعلي سبيل المثال، يقول " الناس كيف ترفع الحكومة اسعار المشتقات النفطية وتحافظ بذات الوقت على اسطول السيارات ذات المحركات الكبيرة التي تجوب الشوارع من جيوبنا وقوت ابنائنا لنقل المسؤولين وابنائهم وانسبائهم وخدمة جاهتهم وافراحهم واتراحهم وسهراتهم".
وفي نهاية العام فان ما يصرف على هذا الأسطول يفوق ما يأخذ من جيب المواطن كضريبة وكرسوم للجامعات لم تنعكس على دراسة ابنائه أو على الأعباء التي يتكبدها، وهناك من قد يبيع منزله أوارضه لتمكين ابنائهم من اكمال دراستهم الجامعية خصوصا ممن لم يحالفهم استثناء ما .
والخامس ان قانون الانتخاب ما زال في حالة عامة من الشد وما زالت تتفاعل وما زلنا نحاول تشجيع الناس على المشاركة في التسجيل للانتخابات النيابية.
أين الحكمة في أن نعود للمربع الأول للأزمة، وفي أن ترهق البلاد بحكومات متتالية، فهل هذا هو الثمن المباشر لضعف الجوانب المؤسسية في بنية النظام السياسي وضعف مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وقيام كل سلطة بمهامها الدستورية .
عند كل منعطف صغيرا كان او كبيرا توضع البلاد على محك أزمة كبيرة، والأصل أن تكون هذه الازمات جزء من حيوية النظام السياسي فتقع في المجال العام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وامام الرأي العام. فمن يحاسب من ومن يكافأ من، ومن ينتصر لهذا الوطن من عسف ابنائه، ومن اتساع هوة الثقة بمؤسساته ؟
المشكلة ليست برفع الأسعار، فقد تكون ضرورة ملحة لازمة مالية تشتد كل يوم، لكنها قبل ذلك تكمن في إدارة الظهر والتعامل مع الناس كارقام ومجاميع بدون أي إعتبار لبيئة ومحددات صناعة القرار ومن ثم الى اين ستأخذنا هذه القرارات.