أتحفتنا الحكومة بمصطلح "المال السياسيّ"، و أقحمته في واقعنا المجتمعيّ من دون أنْ تدرك حتى معاني تلك المفردة. و نذهب إلى استعمالها و إبرازها و كأنّها مصطلحٌ اخترعناه أو نحتناه من التراث أو اللغة.وصفت الحكومة "المال السياسيّ" لتجريم مستخدمي المال في أساليب الوصول الى مجلس النواب. و الواقع أنّه لا يتعدى عندنا مصاريف الحملة الانتخابيّة من تحضير و افتتاح مقرات، و الذهاب إلى الصالونات (بانواعها)؛ من أجل مظهر جديد (نيو لوك). و ما يتبع ذلك من إنفاق لوجستيّ يومَ الانتخاب و شراء الذمم و الاصوات، مباشرة أو عبر سماسرة؛ لزيادة أوراق الاقتراع و ضمان الفوز بمقعد و راتب "أبديّ" في مجلس النواب.
تعريف المال السياسي، وفقاً لعارفين، ليس فقط المال الذي يُغْدَق على شراء الأصوات لإظهار الديمقراطية بأبهى حللها، إذ تُسْتَغَل الحالة المادية المُعدمة للمواطن (وهنا لا بدّ من التساؤل عمّن أوصل هذا المواطن إلى هذه الحالة و مَنْ نهب أمواله)؛ فيقوم صاحب الفضائل والأعمال الخيريّة بتوزيع الدنانير، التي جمعها من صفقات قد تكون مشبوهة، أو من بيع أرض ورثها و لم يتعب في تملّكها، مقابل لا شيء سوى أمر بسيط؛ هو التصويت له لضمان استمراره في خدمة المواطن و الوطن، و ليس طمعاً في منصب أو جاه!
و هو أيضاً ليس المال الذي يُدْفَع لأصحاب المنابر الإعلامية، و أصحاب الأقلام (الحرّة جداً) الذين يبيعون مواقفَهم و مبادئهم و قناعاتهم الشريفة و الوطنيّة مقابل لمسة ديمقراطيّة صغيرة (كاش)؛ ليتحولوا إلى أبواق في مواسم الحراك السياسيّ والاقتصاديّ.
مصطلح "المال السياسي" أطلقه – تحديداً - الرئيس الدكتور سليم الحص، رئيس وزراء لبنان الاسبق، عندما فشل في الفوز بمقعد عن دائرة بيروت في مجلس النوّاب اللبنانيّ، و أراد وصفَ الاموال الطائلة التي استخدمها الرئيس الراحل رفيق الحريري في الإغداق على العملية الانتخابيّة؛ لشراء الولاءات و الانتماءات، وصولاً إلى صنع انعطاف كبير في الحياة السياسيّة بلبنان، و تزَعُّم عائلات بيروت العريقة و الطائفة السنيّة. هذا المال، سبق و أنْ استخدمته أيضاً العائلات السياسية - قبل الحريري - في البلدات و الضيَع؛ لكسب النفوذ، و حفظ السطوة، و هي التي لها ارتباطات و امتدادات خارجيّة تاريخيّة معروفة.
من الظلم تسمية شراء الاصوات يوم الانتخاب أو قبله بساعات استخداماً للمال السياسيّ؛ فشراء المفاتيح الانتخابية أو أصوات الناخبين معروف منذ خمسينيات القرن الماضي عندنا. و السؤال هو: عن أي مال تتحدث الحكومة؟ هل عن الأموال التي تغدقها الأحزاب لنيل الاغلبية وتشكيل الحكومة كما في الغرب؟ أم الأموال التي جُنِيَت من تصفيح السيارات في إسرائيل و أُجِّرَت إلى جيش الاحتلال الأميركي (نصرةً للمقاومة العراقية) كما تندّر احد الزملاء.
واجب الحكومة التحسّب لأساليب التزوير، و استخدام هويّات المرضى والمتوفين، و التأكّد من أنّ الناخب لا يتكرر تصويته، و لا يستخدم هوية الأحوال إلّا صاحبها، و أنْ تعي ما يعرفه الأردنيون في الذاكرة غير البعيدة أنّ عدداً من المرشّحين التقليدين كانوا لا يترشّحون إلّا اذا تأكدّوا من وجود تزوير ما أولاً، و الدعم الحكوميّ ثانياً.
ملاحظة: هذه ليست دعوة لبيع أو مبادلة الأصوات.