تغيير قيادات صندوق أموال الضمان يثير الفزع على "تحويشة العمر"
جمانة غنيمات
03-09-2012 01:55 PM
عمون - جمانة غنيمات – يثير تغيير مدير صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي تساؤلات عدة في أذهان الأردنيين، حول الأسباب التي أدت إلى إنهاء عقد رئيس الصندوق السابق ياسر العدوان وتعيين هنري عزام خليفة له.
ويفضي ذلك إلى استفسارات أخرى لها علاقة بإمكانية إعادة تشكيل مجلس إدارة الصندوق المسؤول عن اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى علامات كبيرة تسبق فكرة التوسع في الإقراض وشراء السندات الحكومية.
ويتجدد السؤال حول إمكانية تغيير توجهات الصندوق الاستثمارية واتخاذ قرارات بيع جزء من استثماراته السيادية، تحديدا في قطاع البنوك الأمر الذي يكشف عن قلق غير متناه من المواطنين على “تحويشة” عمرهم، وكيفية إدارتها خلال المرحلة المقبلة.
ومن القضايا التي يدور حولها جدل مريب تلك المتعلقة بإمكانية التوسع في الاستثمار الخارجي بعد بيع استثمارات محلية.
ومن المتوقع أن نشهد خلال الفترة المقبلة صراعا على تعيينات عضويات مجالس الإدارة التي اشترطت حكومة الطراونة موافقتها عليها وأعطت لنفسها الحق بالتنسيب في بعض الأحيان ما خلق صراعا بين الصندوق والحكومة على هذه المسألة في الفترة الماضية وتسبب بضيق الحكومة من الوحدة بعد أن شكلت لجنة برئاسة وزير المالية لتحديد العضويات إلا أن الوحدة ردت برسالة قاسية رافضة الفكرة بالمطلق، لكن السؤال الذي ينتظر الإجابة من سيكون العضو الجديد في البنك العربي؟
وأما تغيير مجلس إدارة الصندوق الذي يضم في عضويته ممثلين عن غرفة الصناعة واتحاد العمال ومؤسسات المجتمع المدني من الخبراء والمختصين في الشأن الاستثماري فستكون الأشهر المقبلة قادرة على الإجابة عن هذا التساؤل، رغم أن تغيير رئيس الصندوق قد يكون حجة كافية لإعادة تشكيل المجلس بما يخدم التوجهات الجديدة.
الإجابة الأولية عن هذه الاستفسارات ستكون في الاجتماع المقبل لمجلس إدارة الصندوق الذي سيعقد بتاريخ 18 أيلول (سبتمبر) المقبل، والذي تؤكد المعلومات أن موضوع بنك الإسكان سيدرج على جدول أعماله للنظر في العرض المقدم لشراء حصة الضمان في البنك.
المخاوف على أموال الضمان لم تكن وليدة لحظة قرار التعيين الجديد بل تعود إلى أكثر من عامين؛ حينما كان فارس شرف يتولى إدارة الصندوق، وبدأ الحديث عن بيع حصة الضمان في بنكي الإسكان والعربي لمستثمرين قطريين.
الخوف يتركز على ملكية الضمان في بنك الإسكان والتي تقدر بحوالي 15.5 % من أسهم البنك بقيمة تتراوح بين 500 – 600 مليون دينار؛ حيث بدأت محاولات شراء هذه الحصة من قبل مؤسسة مالية قطرية إبان حكومة سمير الرفاعي.
العرض لشراء الإسكان تكرر ثلاث مرات من قبل الشخص نفسه الذي عمل لفترة في قطر وقدم في حينه العرض الأول لينتقل بعد ذلك للعمل في الكويت ويعيد الكرة من خلال شركة كويت كابيتال، وتم تقديم العرض الأخير قبل رحلة رئيس الوزراء فايز الطراونة الأخيرة الى الكويت من قبل ذات الجهة.
التنافس للاستحواذ على أسهم الضمان في الإسكان كبير؛ إذ سعت أكثر من دولة عربية لشرائها كاستثمار مربح، لكن الصفقة ظلت تتعطل لأكثر من عامين، لأسباب مختلفة.
رد الضمان كان في جميع المرات الرفض، لكنه بادر في المرة الأخيرة الى تقديم عرض للكويت بتبادل حصص متساوية بين الطرفين تتراوح نسبتها بين 2-3 % بحيث يحصل الجانب الكويتي على هذه النسبة في بنك الإسكان، فيما يحصل الضمان على النسبة ذاتها في بنك الكويت الوطني.
ويصف مسؤول سابق أسهم بنك الإسكان بـ” الوقف”، وهو ليس للبيع أو المبادلة او المساومة، وبناء على ذلك غادر العدوان الصندوق واسهم الإسكان ما تزال ملكا للضمان، فهل يستمر ذلك؟ في ظل حديث عن وجود علاقة بين الطرفين الكويتي والقطري بالاتفاق على شراء حصة الضمان، حيث تملك قطر نحو 35 % من إجمالي البنك.
في ذلك الوقت أي قبل عامين خضعت إدارة الوحدة لضغوط كبيرة تدفع باتجاه البيع إلا أن الموقف الصلب للإدارة أفشل تلك الخطط وأضعف من تأثير تلك الضغوط، حتى جاءت المسيرات وبدأ الربيع الأردني الذي ألغى قرار تعيين الدكتور هنري عزام الذي اتخذ في عهد حكومة سمير الرفاعي من قبل حكومة معروف البخيت، وليبقى القرار طي الكتمان ولم يعلن رسميا.
بقي موقع رئيس الصندوق شاغرا لأشهر حتى جاءت حكومة معروف البخيت وتم تعيين الدكتور ياسر العدوان رئيسا للصندوق، واستمرت إدارته حوالي عام وثمانية أشهر، حقق الصندوق خلالها نتائج مالية تعتبر جيدة نظرا للأوضاع المحلية، الإقليمية، والعالمية.
العدوان، كما وصفه مقربون منه “محافظ وحريص ونزيه، رغم خبرته الاستثمارية المحدودة التي كان يستعيض عنها بإجراء مشاورات مع أصحاب الخبرة في هذا الشأن ما أدى إلى الحفاظ على سلامة أموال الضمان خلال فترة إدارته؛ حيث خلت هذه الفترة من أية اختلالات وكانت النتائج المالية للوحدة مقبولة لدرجة كبيرة في ظل الأوضاع المحيطة”.
ما يحدث اليوم في الضمان يعيد الجدل مجددا حول مدى استقلالية أموال الضمان عن الحكومة، وتغيير نظرة المسؤولين حيال هذه الأموال، والتأكيد على أن أموال الضمان ملك للناس ومشتركي الضمان وليس الحكومة، ما يكشف عن أن الحكومات ما تزال تظن أن بإمكانها السيطرة على أموال الأردنيين وتوجيه استثماراتهم حسبما تشاء.
خلال فترة إدارة العدوان لم تحدث مشاكل حقيقية في الصندوق تدفع باتجاه التغيير، ولم تكن العلاقة بين الحكومة وإدارة الصندوق سيئة لدرجة تدفع باتجاه تغيير الإدارة، ورغم ذلك بدأ العمل على تعيين عزام منذ نحو ثلاثة أشهر.
التعامل بين الحكومة والضمان ظل قائما؛ حيث قدم الصندوق قرضا بقيمة 50 مليونا لسلطة المياه، وكان الطلب الوحيد للوحدة هو الحصول على رسالة من الحكومة تضمن كفالتها للقرض، الأمر الذي لم يشكل حساسية في حينه.
جزء من الخلاف بين الحكومة والضمان بدأ بالتزامن مع تطبيق إعادة الهيكلة؛ حيث أصرت الحكومة على إخضاع الصندوق لنظام الخدمة المدنية الأمر الذي دفع كثيرا من المدراء في الصندوق للاستقالة، ومنهم مدير قسم تكنولوجيا المعلومات، مدير الموارد البشرية وغيرهم، ما تسبب بفقدان الصندوق لكثير من الكفاءات التي لم يعد مجديا لها العمل وفق أجور نظام الخدمة.
اما الملف الخلافي الآخر، فتمثل بقرض سكن كريم لعيش كريم وقيمته 45 مليون دينار، والذي تعثر سداده ورفضت الحكومة تسديد الاقساط ما تسبب بأزمة جديدة بين الطرفين.
خلاف آخر، وقع وكان من الممكن تجاوزه ولا يعتبر سببا قويا لرحيل العدوان يتعلق بقرار حكومي اتخذ كان يوجب إخضاع قرارات استثمار محفظة الضمان للحكومة وجعل بيع الأسهم مقرونا بموافقتها، الأمر الذي رفضه مجلس إدارة الصندوق على اعتبار أن قراراته الاستثمارية مستقلة ولا علاقة للحكومة بها.
وكان من المبررات التي قدمها المجلس في رفضه للقرار الحكومي السابق، تأكيده أن ربط قرار الاستثمار بالحكومة يتضارب مع وجود الوحدة من حيث المبدأ وهي المعنية بشكل مباشر ورئيس بهذه القضية، والقصد انه ما معنى من وجود الوحدة طالما أن القرار مرهون بيد الحكومة.
ومن القضايا التي أثيرت، تلك المتعلقة بعلاقة الحكومة بالوحدة ممثلة بوزير العمل الذي يعتبر رئيس مجلس إدارة الصندوق بموجب موقعه، حيث كان الوزير يميل للحكومة وتوجهها أكثر من الدفاع عن قرارات مجلس إدارة الصندوق الأمر الذي تسبب بوجود فجوة بين الطرفين.
بالنتيجة، ظلت المساحة الرمادية في علاقة الضمان بالحكومة قائمة وتحديدا من قبل الحكومة التي ترفض فكرة استقلالية الضمان وما تزال تظن أن بالإمكان توجيه أموال الضمان لخدمة مخططاتها ونقص السيولة لديها. ومن هنا حاولت أكثر من حكومة خلال الربيع العربي إجبار الضمان على بيع حصصه في بعض الملكيات الرئيسة وتحديدا بنك الإسكان وتزامنت إحدى هذه المحاولات مع بدء تسلم العدوان لموقعه في الصندوق، حيث كان العرض في حينه كويتيا، إلا أن قرارا من الصندوق اتخذ في حينه بعدم البيع.
محدودية الخبرة الاستثمارية لدى العدوان لم تمنعه من اتخاذ مثل هذا القرار، ليطوى الملف لفترة ثم تعود محاولات الاستحواذ على حصة الضمان من قبل صندوق سيادي قطري لتبدأ من جديد خلال الأشهر الماضية.
رفض فكرة بيع أسهم الضمان في الإسكان تنبع من أكثر من مسألة أهمها أن الاستثمار في بنك الإسكان مشروع رابح ومجد نظرا لموقع البنك محليا وحساب العوائد لديه وقيمة الأصول التي يمتلكها، فهو البنك الأكثر انتشارا في المملكة، ويمتلك قدرة تفوق إمكانات البنوك الأخرى على الاستثمار نظرا للسيولة العالية التي تتوفر لديه.
السعر المقدم من المشتري ليس القصة، فالعروض المقدمة مغرية وتفوق القيمة السوقية في بعض الأحيان، وقد تصل الضعف أحيانا أخرى، لكن السؤال الأكثر إلحاحا يتمثل بمدى حاجة الضمان إلى سيولة إضافية، والتخلي عن استثمارات مربحة خصوصا وان قيمة السيولة لدى الصندوق كبيرة، والخطط الاستثمارية الموضوعة توجب التوسع أكثر في الاستثمار لتوزيع المخاطر وتوسيع قاعدة الاستثمارية.
المسألة الأخرى ذات العلاقة ترتبط بنوعية الاستثمارات البديلة التي سيتم توجيه أموال صفقة الإسكان لها، وهل يمكن الحصول على استثمارات أفضل من ذلك القائم في الإسكان، خصوصا وان لدى الضمان سيولة فائضة والإسكان استثمار مربح واستراتيجي؟
أيضا، الربط بين رغبة المستثمرين القطريين في شراء حصة الحريري في البنك العربي أمر وارد؛ حيث يربط بعض المراقبين ذلك بنظرة قطر الايجابية لفرص الاستثمار في الأردن تحديدا في قطاع المصارف.
تطلع القطريين لا يتوقف عند هذا الحد بل يتسع للاستثمار في قطاع الطاقة وتحديدا ما يتعلق بإنشاء محطة للغاز في العقبة تتراوح كلفتها بين 300 – 500 مليون تبعا لحجم المشروع ومراحله، حيث قطع الضمان شوطا في هذا المجال خلال الأشهر الماضية.
وتشير المعلومات إلى أن رئيس وزراء سابق شريك في المشروع وقطع العمل مسافات؛ حيث تم فتح حسابات لشركة الغاز في احد البنوك المحلية المهمة.
من الملفات الأخرى العابرة لإدارات الصندوق تلك المرتبطة بمشروع سرايا العقبة، الذي يحتاج إلى سيولة بشكل مستمر نظرا لضخامة المشروع، حيث تسعى إدارته إلى رفع رأسماله ليبلغ 700 مليون دينار بزيادة تصل 300 مليون دينار بسعر نصف دينار للسهم توزع الكلف مناصفة بين الضمان وشركة مبادلة الإماراتية بمقدار 150 مليون لكل طرف.
بيد أن الضمان رفض هذا العرض الذي يتسبب له بخسائر تصل نصف رأسماله المقدر بحوالي 58 مليون دينار، وعرض الضمان في حينه شراء السهم من الشركاء بقيمة 60 قرشا للسهم، وفق عرض رسمي قدم لهم كمقترح للحل.
ولأكثر من مرة تلقى الضمان عروضا لبيع حصته في المشروع والتي تتجاوز 25% من قيمته، حيث قدم عرض من شركة إماراتية، بسعر يصل 68 قرشا للسهم، بسعر خصم مرتفع يقارب 30%، إلا أن قرار الصندوق كان برفض العرض نظرا لتدني قيمة العرض المقدم للسهم مقارنة مع التقييم الداخلي الذي أجرته كوادر الصندوق والذي قدر قيمة السهم بما لا يقل عن دينار للسهم.
مسؤول سابق يقول “إن من الجنون التفكير ببيع حصة الضمان في البنك، رغم انه لا يوجد استثمار مقدس من وجهة نظره، لكن المعطيات الواقعية تؤكد أن الإسكان استثمار مجد ومربح، خصوصا وان الفرص الاستثمارية المجدية شحيحة”.
ويؤكد أن “التفكير ببيع هذه الحصة بالتحديد حتى لو كان السعر مضاعفا ليس من مصلحة الضمان؛ إذ يبقى السؤال المهم كيف سيؤثر البيع على توزيع سلة استثمار الضمان بنسب آمنة، خصوصا وان الضمان لا يحتاج إلى شراء مزيد من العقارات والسندات”.
والتفكير بالبيع يجب أن يكون واضحا ومعلنا وشفافا حتى يقتنع المجتمع بصحة ما سيتم، ويطمئن الناس على أموالهم وتحويشة عمرهم، وفق المسؤول الذي يرى أن أموال الضمان مسؤولية الجميع، والتعامل معها يتم من منطلق وطني وليس استثماريا ومصلحيا بحتا. (الغد)
jumana.ghuniamat@alghd.jo