رحل ياسر عرفات ، شهيدا ، كما توقع هو قبل رحيله في حصاره الشهير ، لكن تبقى خلفه مئات الاسئلة ، التي ذهبت اجوبتها ، مع الراحل ، ولا نجد اجابة عنها حتى يومنا هذا.يجوع الفلسطينيون ، وثورتهم ، من اغنى الثورات في تاريخ العصر الحديث ، ولا احد يعرف حتى الان اين ذهبت مليارات الدولارات التي دفعتها عواصم عربية واسلامية ودولية ، دعما للشعب الفلسطيني. يجوع الفلسطينيون ، في غزة والضفة ، في الوقت الذي لا يعرف احد اين ذهبت الخصومات التي كانت بعض دول الخليج تخصمها من رواتب الفلسطينيين في المغتربات؟ ولا اين ذهب الدعم الرسمي العربي.
يجوع الفلسطينيون ايضا ، وفي ذات الوقت ، يمتلك بعض قادة حركة فتح ، ورموزها القديمة ، وتلك الرموز التي تكاثرت ، انشطاريا ، في عهد السلطة الوطنية ، كل تلك الشقق والفلل والقصور ، والمزارع والشركات ، والحسابات السرية والعلنية ، اذ كثير منهم جاء الى الثورة الفلسطينية ، وليس في جيبه ثمن اجرة الحلاق ، لكنه اليوم يتربع على الملايين ، ولا يخبرونا من اين جمعوها ، الا اذا كانت كانت تلك هبات سماوية للثوار.
بعض الثوار.. يمتلكون ايضا ناطحات سحاب في دول عربية ، والبعض الاخر لديه مزارع في امريكا الجنوبية ، وثالث لديه قصور محاطة بعشرات الدونمات المزروعة ، ورابع لديه اسهم بملايين الدولارات سجلها بأسماء وسطاء واقارب وواجهات ، والبعض الاخر علم ابناءه في اوروبا وامريكا ، وطلبة غزة بالمقابل لا يجدون ثمن كأس الشاي في جامعة الازهر في غزة او في جامعة النجاح في نابلس.
بعض مال الثورة الفلسطينية ، وضعه ياسر عرفات بيد رجال اعمال ، وشخصيات معروفة واخرى مغمورة ، من اجل تشغيل هذا المال ، غير ان عرفات رحل ، وبقي المال بيد كثرة طوتها الارض ، فمن يخبرنا عن اسماء هؤلاء ، واين هو المال الذي حصلوا عليه ذات يوم ، وماذا فعلوا به ، وهل ردوه الى اصحابه ، ومن يمتلك الذاكرة المالية للثورة الفلسطينية ، واين هي هذه الذاكرة ، ومن يحاسب هؤلاء؟
حين نرى التقارير التلفزيونية ، حول وضع الفلسطينيين في غزة والضفة يحار المرء ، في هكذا ثورة كانت طوال عمرها غنية ، ونجدها اليوم ، تعاني من الفقر ، ولا تدفع راتبا ، ولا مساعدة ، ولا يجد ابناء الشهداء او من تم هدم بيوتهم ، دينارا ولا.. دولارا ، وكأن المقصود هو في جعلها ثورة من نار ، تحرق من اقترب منها ، وتجعله يندم على اليوم الذي آمن فيه البعض بالثورة ، وكيف لا يندمون وهم يرون قيادات كثيرة اثرت على ظهورهم ، وتركتهم يتسولون رغيف اولادهم.
رحل عرفات ، شهيدا ، كما توقع ، وكما احب هو ، غير ان قيمة الشعوب ، دائما ، اهم من الرموز ، وقيمة الرمز ، تكون في الاساس من قيمة شعبه ، وليس العكس ، فالشعوب هي الباقية ، والرموز راحلة ، ويبقى فقط السؤال ، حول حقوق الشعوب ، في حياتها وكرامتها ومالها ، ولا تكفي العواطف لتقييم مرحلة عاصفة وخطيرة في تاريخ الشعب الفلسطيني.
اذا كنا نلوم دوما الاغنياء الفلسطينيين في العالم ولديهم ثروات بمئات المليارات ، على دورهم السلبي تجاه فلسطين ، فاننا نلوم قبلهم الثورة الفلسطينية ، التي جعلت شعبا ثريا لا يجد رغيف يومه ، بل ويفاوضون اليوم سرا ، على القدس وحقوق اللاجئين ، لتصفية القصية الفلسطينية ، باعتبارها شركة خاسرة يتوجب اعلان افلاسها.