ما من شك أن التغيير الى الأفضل ،واحداث نقلة نوعية ايجابية الى الأمام ،هو التغيير المنشود في حياة الشعوب الطامحة الى الحرية والحياة الكريمة ،من أجل مواصلة نبض حياتها وفق جدول حياتي مبرمج قائم على المؤسسية .
ولعل هذا التغيير الذي نتحدث عنه ،ليس نبتا شيطانيا ،أو أنه وليد كبسة زر،او على رأي المثل:شبيك لبيك ..! بل يتطلب الأمر المزيد من التخطيط المسبق وسبر أغوار الخرائط الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية في المجتمع، لتشكيل قواسم مشتركة يتم العمل بموجبها وعلى أساسها ،ومن ثم يتم الاتفاق على التوافق عليه ، وتطويره في حال النجاح في تنفيذ المخطط.
لذلك سميت بعض الأحداث "ثورات" لأنها جاءت لقلب الواقع رأسا على عقب ،وليس لخلق واقع ينطبق عليه المثل القائل"جمل محل جمل برك"أو "تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي"!يعني أن تغييرا جذريا لم يحدث ،وبالتالي يحق لأي كان التساؤل:ولمصلحة من جرى كل ذلك؟
أتحدث هنا عن التغييرات الدموية الجارية في الوطن العربي بدءا من تونس وانتهاء بسوريا مرورا بمصر وليبيا ،ويعنيني أكثر ما يعنيني في هذه التغييرات، العلاقة مع اسرائيل وأمريكا على وجه الخصوص لبصمتهما المشتركة على مصيرنا كعرب .
وحتى لا يتشتت ذهن القاريء ويذهب بعيدا ،أقول أن كل التغييرات الدموية التي أنجزت في الوطن العربي،لم تظهر ولو حدا أدنى من التغيير المنشود الذي نطمح اليه،وكنا دائمي التفكير فيه والدعوة اليه في كافة مراحل حياتنا وأماكن تواجدنا الاختيارية أو القسرية.
كان الزعماء البائدون امثال بن علي –تونس،مبارك-مصر ،القذافي-ليبيا ،يقيمون العلاقات السرية والعلنية مع اسرائيل ،ويرتبطون بعلاقة تبعية متناهية مع أمريكا على وجه الخصوص والغرب بشكل عام ،ويمارسون الفساد بكل أشكاله ،ويواجهون بالصمت المطبق على هذا الفساد من قبل أمريكا والغرب بحجة أنهم ينضوون تحت عباءة التحالف الغربي-الاسرائيلي.وبذلك كانت أمورهم سالكة ،والتغول الأمني في بلادهم يشكل الحالة بما لا يدع مجالا للشك بأن التغيير القائم على رغبة الجماهير بات شبه مستحيل.
فالقبضة الأمنية واضحة مثل الشمس في عز النهار ،والاختراقات الأمنية للقطاعات كافة وأولها الاعلام بارزة مثل صوت طبل منتصف ليل هاديء، والمثقفون يتساقطون في حضن النظام مثل " ذباب الغور"بعد رش مبيد الحشرات الطائرة.
وبذلك كان الحكام ينامون ليلهم الطويل في أحضان غانياتهم ،فيما عين الأمن ساهرة ترقب حتى نوايا المواطنين في الليل وتستدعيهم لمحاسبتهم على نواياهم في النهار وهكذا دواليك ،ما جعل بعض الأنظمة الجمهورية تتحول الى أنظمة ملكية حسب نمط الحكم الذي انتقل الى التوريث.
حان وقت التغيير وخططت أمريكا ثم دبرت الأمر بليل ،وجيء بطاقم جديد وهو طاقم الاسلام السياسي،وقلنا عل وعسى أن ينصلح الحال ،لكننا فوجئنا بلطمة قوية على وجوهنا ،اكتشفنا بعدها أن القادمين الجدد الذين سادوا هذه الأيام ،لا يختلفون في نهجهم السياسي عن نهج البائدين الذين اقتضت مصلحة أمريكا ان يغادروا الحكم لأنهم باتوا يشكلون عبئا عليها في المنطقة وعمقوا كراهية الشعوب لها بسبب سياساتهم المدمرة لمصالح وطموحات شعوبهم.
وحتى أكون واضحا أكثر ،وجدنا أن البائدين والسائدين على حد سواء هم وجهان لعملة واحدة، فيما يتعلق باسرائيل وأمريكا ،وقد أضيف الى ملف المتزلفين لاسرائيل آخرون تبرعوا بذلك دون اكراه ،بينما تعهد البعض بعدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد ،وهكذا وجدنا أنفسنا - وخاصة من فرح للتغيير - أننا كالزوج المخدوع ،وما أصعب هذا الموقف.
كنا نتمنى من القوى الجديدة أن تشتق طريقا مغايرا لطريق البائدين كي نشعر بالفرح ولو مرة واحدة في حياتنا ونقول أننا وضعنا أقدامنا على سلم التغيير الايجابي ،بدلا من المكوث على قارعة الطرق نبكي ونندب حظنا بين الأمم التي تقدمت ونفضت عنها غبار الذل، فيما نحن ارتضينا تسليم مقدراتنا لأمريكا واسرائيل ،ومع الأسف أن ذلك يتم اليوم باسم الاسلام بعد أن كان في السابق باسم العروبة.