"أيام فاتت" .. أولادنا يعلموننا فنون الإنحناء .. !
عودة عودة
01-09-2012 03:37 PM
لست من هواة السفر ( المتفق عليه أنه قطعة من العذاب ..) , و إن كان يستهويني بين الحين والآخر, و أَعجب من الرحالة العربي ابن بطوطة الذي قطع مسافة نحو ( 120) ألف كيلومتر في رحلة على ظهر ناقة (و ليس طائرة نفاثة مثل التي ركبتها و رفيقة دربي ما بين عمان و الدمام) و استمرت 27 عاماً طاف ابن بطوطة فيها المغرب العربي و مصر و السودان و بلاد الشام و العراق و الجزيرة العربية و بلاد فارس و الصين و بلاد التتار و وصل حتى اندونيسيا ثم قفل عائداً إلى بلده (المغرب) ليطويه الثرى فيها.
و على الرغم من متعة رحلة ابن بطوطة الطويلة و ما شاهده فيها من مسرات و ذكر ما عرفه من سلاطين و رجال و نساء ...إلا أنه لم يخف معاناته في أسفاره و رحلاته هذه التي سماها : ( تُحفة النُظّار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار ) عندما خرج من بيته في طنجة فيقول: " ها أنا أهجُر الأحباب من الأناث و الذكور و أُفارق وطني مفارقة الطيور للوكور...! "
و اتذكر أن الدهشة نفسها قد هزت الزميل الراحل بدر عبد الحق عندما سافرت بالطائرة و إياه من عمان إلى الجزائر العام 1991 لتغطية إجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ماراً بجنيف ثم باريس فالجزائر العاصمة و قال لي و نحن نحلق فوق جبال البرانس التي دارت قربها معركة بلاط الشهداء و قد هدنا التعب من مشقة السفر الطويل: كيف وصل العرب إلى هذه الأماكن النائية و البعيدة و الباردة جداً عن ديارهم الحارة في جزيرة العرب و بلاد الشام و
العراق.؟!
سرني في الدمام أخلاق أهلها من مواطنين و مقيمين, فلا يمر أحدهم بجانبك راكباً أو راجلاً إلا و يرد عليك أحسن السلام ، كما سرتني شوارعها الواسعة و نواديها الرياضية , و أجمل اللحظات مشاهدتي لأحفادي و هم يتحلقون حول المائدة ليتناولوا إفطارهم من الزيت و الزعتر على عجل تماماً كما كنا أطفالاً ليلتحقوا بمدارسهم.
و أكثر هذه اللحظات جمالاً و سحراً سهرات مطولة مع ابنتي الكبرى لتتحدث لي عن ذكرياتها و هي تدرس الطب في جامعة الموصل في العراق و في أوج الحرب العراقية الإيرانية و العدوان الأمريكي على العراق العام 1991 و هي في سنتها الجامعية الأخيرة ... كم حدثتني بإطراء و إعجاب عن طيبة و نبل و شهامة العراقيين و إحترامهم و تقديرهم للغريب خاصة اذا كان من أشقاءهم العرب.
لقد ساءني في بداية الرحلة ما يجري في قاعة المغادرين بالمطار هنا في عمان منظر الناس بلا أحزمة و بلا أحذية ... وحتى الأطفال و كأنهم في قاعة رقص مشروط بأن تكون حافياً , دخلت الحلبة كالآخرين ... و أنا اتذكر كلام أخي الزميل طارق نعيم :( أولادنا يعلموننا فنون الإنحناء).؟!