"اليسار" الأردني والانتفاضة السورية
بسام حدادين
01-09-2012 05:49 AM
بسام حدادين
دفعتني حادثة عابرة إلى التأمل والبحث عن أسباب دعم اليسار التقليدي الأردني للنظام السوري، وخصومته مع الانتفاضة الشعبية في سورية. إذ كنت مشاركاً في خيمة عزاء في قريتي ماعين، وكانت الخيمة تفيض بالمعزين من أبناء محافظة مادبا. فدار جدل ونقاش حول "الأزمة السورية". ابتدأ الحديث رجل مسن انتقد بشدة جرائم النظام السوري التي "فاقت التصور" على حد تعبيره.. فكانت المفاجأة أن قاطعه صاحب العزاء، ولفت نظره وابتسامة "هادئة" تعلو محياه، بأن كلامه يستفز "سعادة النائب اليساري" على حد وصفه.
هزتني هذه الواقعة من الأعماق، فأخذت أدافع بحماس عن انتفاضة الشعب السوري البطل من أجل الحرية والكرامة، وأدين بأقسى العبارات وحشية النظام ودمويته. ووجدت نفسي أوجه النقد القاسي أيضاً لسلوكيات بعض فصائل المعارضة المسلحة التي شوهت الأهداف النبيلة للانتفاضة الباسلة، ما أضعف صدقيتها كبديل أخلاقي وقيمي للسلطة الأمنية الفاسدة.
غادرت بيت العزاء وأنا أفكر في الدوافع التي أدت باليسار التقليدي الأردني، أحزاباً وأفراداً، إلى الانحياز للنظام السوري، وتبنيهم لخطابه السياسي والإعلامي نصاً وروحاً. فوجدت أن هناك تشوهات عميقة تحكم فكر وسلوك هذا "اليسار"، وأظنها سبب وهنه وعزلته، وعدم قدرته على النهوض بمهماته التاريخية، وأهمها:
1 - هناك فريق تربطه علاقات تنظيمية مباشرة مع الغطاء الحزبي الحاكم، أو علاقات "رفاقية" استراتيجية مع بعض أحزاب الجبهة التقدمية؛ الذراع السياسية للنظام السوري.
2 - هناك مواقف الأحزاب التابعة للفصائل الفلسطينية اليسارية المقيمة في دمشق، ومواقفها تتفاوت بين معاداة الانتفاضة الشعبية علناً، أو الصمت الصاخب الذي يعني مساواة الجلاد بالضحية.
3 - هناك عدد من المثقفين من أصول يسارية وقومية، بعضهم نظيف اليد والسريرة، لكنه يعيش في عالم الخيال الأيديولوجي النظري المجرد، مستندا إلى نظرية المؤامرة بأكثر أشكالها بؤساً وإثارة بوليسية. قلت بعض هؤلاء، أما البعض الآخر، فهو باختصار "تجار شنطة". ولا أنفي وجود سياسيين ومثقفين أنقياء، لكن على عيونهم غشاوة سياسية. بحثت في محرك "غوغل" عن موقف اليسار الديمقراطي التقدمي السوري، وموقفه من "الأزمة السورية"، فوجدت ضالتي في وثيقة صدرت عقب اجتماع موسع في روما أواخر تموز (يوليو) الماضي، شارك في صياغتها ووقع عليها أكثر من عشرة أحزاب وقوى سياسية ديمقراطية من طيف فكري واسع من الداخل والخارج، وبمشاركة شخصيات سياسية وازنه مشهود لها بإخلاصها لقضية الشعب السوري، من أمثال هيثم مناع، وميشيل كيلو، وفايز سارة، وسمير عطية، وأيهم حداد، وغيرهم، أطلقوا على وثيقتهم اسم "نداء روما من أجل سورية". وأجد في هذه الوثيقة التي وضعت فواصل مهمة في لحظة خلط الأوراق، ما يستحق التبني من التيار الديمقراطي واليساري الأردني، بدل الالتحاق بالنظام السوري أو الدعم الأعمى للثورة السورية.
1 - الأزمة السورية هي الأكثر مأساوية بفعل الحل الأمني العسكري في مواجهة الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة.
2 - لسنا محايدين؛ الشعب السوري يعاني قمع الدكتاتورية وفسادها، والحل العسكري يحتجز الشعب السوري رهينة بدون حل سياسي يحقق مطالبه. دعوة لوقف دوامة العنف، ودعم كل أشكال النضال السلمي والمقاومة المدنية بكل تعبيراتها.
3 - لم يفت الأوان لإنقاذ البلاد. ومع حق المواطنين في الدفاع المشروع عن النفس، فإننا نعتقد أن السلاح ليس هو الحل.
4 - ندعو إلى مخرج سياسي، وندعو الجيش السوري الحر وكل من حمل السلاح، إلى المشاركة في عملية سياسية تؤدي إلى سورية آمنة وديمقراطية، يتعايش فيها الجميع بسلام وعدالة.
5 - نرفض أن تتحول سورية إلى ساحة للصراعات الدولية والإقليمية.
6 - على المجتمع الدولي أن يفرض بالقوة وقفا فوريا لإطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية.
هل يطلق الوطنيون الأردنيون نداء عمان المساند لنداء روما؟
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد