بسبب تصاعد الأخطار الخارجية المتربِصة بالدولة الأردنية في مناخ إقليمي ودولي مفتوح الاحتمالات، اتجهت الكتلة الأساسية من الحركة الوطنية الشعبية إلى هدنة غير معلنة مع الحكم، تتمحور بنقطتين: منع نجاح الابتزاز الخليجي للأردن الهادف إلى توريط البلد بالتدخل في سورية، ومنع نجاح الابتزاز الإخواني الداخلي الهادف إلى إحداث انقلاب ديموغرافي سياسي يُمهّد للوطن البديل.
غير أن حكومة فايز الطراونة التي لا تحظى بأية شعبية، والتي يُنظَر إليها كحكومة مؤقتة يرأسها موظف غير مُسيّس وغير مدرك لتعقيدات اللوحة المحلية والاقليمية. وقد قاده ذلك إلى تصريحات عن سورية لا يعرف أنها قد تنسف الصمت بحكومته الضعيفة التي تظن أن الدنيا قمرة وربيع، بينما هي بين فكي كماشة.
ومن عجائب السياسة المحلية أن حكومة كهذه تتورط في الصدام مع الجسم الإعلامي. ولكنها معذورة لأنها لا تعرف أن موازين القوى لا تسمح لها بكسب معركة قانون المطبوعات، وإذا ما أُقر القانون فليست عندها، ولا عند سواها، القدرة السياسية لتطبيقه.
في القضية الأساسية التي تدور عليها المعركة السياسية الوطنية اليوم أي (العملية الانتخابية) لا يتحلّى الطراونة لا بالشجاعة ولا بالتصميم. وقد تحوّل هو وحكومته التي تَصدر منها تصريحات محبطة إلى عبء على البلد.
لكن كل ذلك يهون أمام استغلال الليبراليين الجدد لضعف حكومة الطراونة ـ ومصالح رئيسها ـ بالعودة إلى مفاصل القرار الاقتصادي، بل في أخطر المفاصل حالياً، أعني رئاسة دائرة الاستثمار في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
إن قرار حكومة الطراونة بتعيين ليبرالي جديد ورجل أعمال "مغامر" في هذا المنصب يُعد تهاوناً بالمصالح الاقتصادية الوطنية واستهانة بالحراك الشعبي و سوء تقدير للهدنة القائمة بين كل من الحركة الوطنية والحكم. فلا يُسمح بتدمير آخر المعاقل المالية الوطنية التي تخص المجتمع كله وترتبط بحيواة مئات آلاف الكادحين، تحت أي مبرر كان. وإذا لم يتراجع الطراونة عن هذا القرار فوراً، فقد وضع حكومته والحكم في موضع صعب للغاية.
غير مسموح، بعد اليوم، أن يكون ليبرالي جديد ورجل أعمال في موقع القرار الاستثماري بادخارات الكادحين الأردنيين في الضمان الاجتماعي. غير مسموح العبث بهذه الادخارات، كما حدث في السابق مراراً. لا نريد ملفات جديدة في الهدر والمغامرات المالية وتجيير مقدرات المجتمع للرأسمال الأجنبي مقابل عمولات...لا نريد ملفات جديدة في الفساد الذي دمّر الاقتصاد الوطني وكشف البلد على الابتزاز السياسي.
أختم بنصيحة مخلصة للطراونة: اسحب القرار. تراجع عنه فوراً، لئلا تجد الأرض وقد مادت تحت حكومتك التي سيصبح إسقاطها مطلب الإجماع الوطني.
ynoon1@yahoo.com
تم وقف التعليق على المقال بناء على طلب الكاتب
العرب اليوم