يشكل الموقف من حرية الإعلام الاختبار الحقيقي لإرادة الأنظمة في الإصلاح والديمقراطية. تجربة العالم العربي في هذا المضمار لا تبشر بالخير؛ قبل الربيع العربي وبعده، إذ تستوي الأنظمة الجديدة التي انبثقت من رحم ثورات شعبية، مع الأنظمة القديمة التي تكافح من أجل التكيف مع التحولات الجارية في العالم العربي.
منذ يومين، اعتقلت السلطات التونسية مدير تلفزيون خاص "التونسية"، وصاحب أشهر برنامج تلفزيوني، سامي الفهري، بتهم الإضرار بالمال تعود لسنة ونصف السنة. الفهري كان قبل اعتقاله يقدم برنامج "اللوجيك السياسي"، الذي يسخر فيه من السياسيين التونسيين على غرار ما تقدمه محطات أميركية وغربية، ويعرض فيه شخصيات مثل راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، وحمادي الجبالي رئيس الوزراء، والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية، على شكل دمى متحركة.
بإجماع المحللين التونسيين، فإن اعتقال الفهري دون غيره من المتهمين يعود لدوافع سياسية، بعد تهديدات تلقاها الفهري من المستشار السياسي لرئيس الوزراء، وضغوط حكومية شديدة عليه لوقف البرنامج، ذكّرته "بوضعيته الهشة" في القضية المثارة ضده.
في مصر، المفارقة أشد إيلاما. الإعلاميون الذين تعرضوا للسجن والتنكيل في زمن حكم مبارك، يحالون تباعا إلى المحاكم بعد الثورة بتهمة إهانة "الذات الرئاسية". التهمة طالت ثلاثة من أبرز وأشجع الصحفيين المصريين: عبدالحليم قنديل رئيس تحرير صحيفة الأمة الذي ألقاه كلاب مبارك ذات يوم عاريا في الشارع العام؛ وعادل حمودة رئيس تحرير صحيفة الفجر الذي تخصص في كشف فساد جمال مبارك وعصابته من رجال المال والسياسة وخططهم لوراثة السلطة في مصر؛ والإعلامي الثالث كان إسلام عفيفي رئيس تحرير صحيفة الدستور اليومية. والأخير أفرج عنه بقرار رئاسي وصفته صحيفة القدس العربي في حينه بالتدليس السياسي، كونه اقتصر على إلغاء الحبس الاحتياطي، مع الإبقاء على جوهر العقوبة "السجن" في حال إدانة المتهم.
وتزامنت اعتداءات "النظام الثوري" على حرية الصحافة مع تغييرات شملت رؤساء تحرير خمسين صحيفة ومجلة مصرية، سيطر بموجبها المقربون من حركة الإخوان المسلمين في مصر على كبريات المؤسسات الإعلامية، وتولى أشخاص من أشد المعارضين لثورة 25 يناير مقاليد الإدارة في بعضها.
وفي سورية التي يصارع فيها النظام السقوط، كان الإعلاميون من مختلف الجنسيات ضحايا لبطشه وقتله. ونستذكر هنا الصحفية اليابانية التي سقطت أخيرا في حلب، ومن قبل الصحفي الفرنسي الذي لقي حتفه في حمص، إلى جانب العديد من الصحفيين المتطوعين الذين ضحوا بحياتهم من أجل نقل الحقيقة. لم يسجن صحفي في الأردن منذ عدة أشهر، وعقوبة الحبس الاحتياطي ألغيت بموجب القانون. لكن الحكومة، وعلى وقع الاعتداءات المصرية والتونسية على حرية الإعلام، أقرت تعديلات على قانون المطبوعات تنال من حرية التعبير على الإنترنت، وتعرّض المواقع الإخبارية لعقوبة الحجب، في انتهاك صريح للمواثيق والمعاهدات الدولية.
إذا كانت حرية الإعلام هي المعيار لقياس ديمقراطية الأنظمة في العالم العربي، فإنك لا تستطيع أن تسجل أي فرق يذكر بين الدول.. فكلنا في القمع شرق.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد