اللبنانيون في حيرة بين إعلان يحذرهم من ويلات الحرب .. وآخر يبشر بكون بلادهم الأكثر أمنا
13-11-2007 02:00 AM
المطار يفتح «ذراعي الأمان»... لكن لـ«أرض الواقع» كلاما آخر
شعارات لاطلاق قناة اخبارية اثارت تساؤلات ومخاوف بيروت: مايا مشلب
الامن آخر صيحات الاعلان التجاري في لبنان. فهو في خضم الازمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من سنتين، بات الهم الاول وشبه الاوحد على اجندة اللبنانيين. وفي حين يعتبر من المسلمات في غالبية الدول، يحتل الامن في لبنان الطليعة على لائحة الاهتمامات الاشد الحاحا. بتنا نراه لوحات تزدان بها الطرق والشاشات، تروّج مرة للسياحة ومرة لنبذ الارهاب والعنف ومرة للاعلان عن افتتاح قناة اخبارية! بذلك اصبح الامن وما يحمل في طياته من قلق ومخاوف، مادة جديدة تنقضّ عليها مخيلات المعلنين وكاميراتهم وكأنها حقل استثمار جديد لم يطأه خيال معلن بعد. انه «ارض بور» تتنافس الاقسام الابداعية في شركات الاعلان على استنباط الافكار الاكثر «لمعانا» فيها. والنتيجة شعارات بالجملة يسخر منها اللبنانيون احيانا لفرط تفاؤلها، واحيانا اخرى تلميحات واعلانات تشويقية تشغل بالهم، فإذا بها تنجح في السخرية منهم! ففي جديد «الاعلانات الامنية» شريط أعدته وزارة السياحة اعدت يروّج للبنان - الآمن. وهي لم تستخدم لهذا الغرض مشاهد السهر والمرح والفرح، بل اكتفت بتصوير لقطات في مطار بيروت الدولي، حيث يستقبل اللبنانيون أحباءهم العائدين. مشاهد مؤثرة مفعمة بالمشاعر الانسانية... تتخللها عبارات ومنها «لبنان هو المكان الأكثر أمانا في العالم»، و«ما من مكان آمن أكثر من حضن محبيك». عبارات جميلة، البعض رأوها حقيقية كون الروابط الانسانية لا تزال بألف خير في لبنان، وآخرون اعتبروها «مفرطة في الاطمئنان» الى درجة الاستخفاف بعقول اللبنانيين. في المقابل، حملة اعلانية أخرى تضمنت سلسلة لقطات توحي بألوانها القاتمة، عودة أجواء الحرب وإن من باب التحذير والتوعية لعدم الانزلاق الى اي صدام. وما زاد من هذا الايحاء تزامن هذه الحملة مع خطابات وسجالات سياسية تحذر كل الافرقاء من التسلّح. والمفاجأة ان اهداف الحملة بعيدة كل البعد عن التحذير والتوعية. انها ببساطة اعتمدت استراتيجية التشويق! فهذه الاعلانات كانت الجزء الأول من حملة الترويج لقناة «المستقبل» الاخبارية الجديدة... لكن المفارقة هي التوقيت المتزامن لهاتين الحملتين، فواحدة تطمئن الى أن الوضع مستقر، والثانية تحذر من انفجار نوعا ما. من جهتها لم ترَ المديرة العامة لوزارة السياحة ندى سردوك «أي تناقض بين اعلان وزارة السياحة والافلام والحملات الاعلانية الاخرى التي تحذر من وقوع حرب، لا بل اعتبر انها تتكامل مع عمل الوزارة التي يترتب عليها الترويج للبلاد فيما يتركز دور الثانية على التحذير من فقدان الامن وضرورة المحافظة عليه». وقالت في حديث الى «الشرق الاوسط»: «إذا اردنا انتظار الاوضاع الامنية حتى تهدأ وتستقر لنبدأ بالعمل، فسيطول انتظارنا. لا نستطيع انتظار الاستقرار والامن حتى يستتبا لنباشر التحرك، ذلك ان مسلسل الاغتيالات والتفجيرات بدأ منذ سنتين. وقد سبب تراجعا حادا لصورة لبنان وأثر سلبا فيها، الى درجة ان صور الجثث والقتلى اصبحت مرادفا لصورة البلاد. فماذا نفعل ازاء هذا الامر؟ هل نقف على الحياد؟ طبعا لا، علينا إعادة بناء ما تهدم من صورة البلاد وترميمها. لا نستطيع ان نغيّب لبنان عن خريطة الترويج السياحي. طبعا لن نلجأ الى التضخيم وتغيير الواقع، بل سنعمل في اطار ادارة الازمة. وإذا كنا عاجزين عن محو الصورة السيئة التي ارتسمت بسبب التفجيرات والاغتيالات لم لا نحاول اضافة صورة جميلة وصادقة عن لبنان الى جانب الصورة الاولى. نأمل في ان نتمكن من الاستمرار في العمل». أضافت: «الصحف ممتلئة بالتشاؤم فما من شيء يبشر بالتفاؤل. ماذا نفعل؟ هل نغادر؟ البعض يعتقدون ان السياحة تزدهر اذا كانت البلاد مرتاحة. ولكن في لبنان لا نستطيع التقيد بذلك، لان اقتصادنا يعتمد على السياحة بشكل اساسي فهي كفيلة بتحريك عجلته الاقتصادية. لا يمكننا ان نعوّل على القطاعات الاخرى كالزراعة والصناعة لنعيش. علينا انقاذ هذا القطاع. والوسائل الاعلامية على اختلاف توجهاتها السياسية، تساندنا في بث هذا الشريط وتدعمنا ايمانا منها بضرورة الترويج لتحسين صورة لبنان». وأوضحت ان «الوزارة تحضر فيلمين اعلانيين أو ثلاثة سنويا. وتتعامل مع شركة «امباكت بي. بي. دي. أو» منذ اكثر من ست سنوات لانتاج الشرائط الترويجية، لاننا نريد أن نحافظ على الصورة الاعلانية التي رسمناها منذ ذاك الوقت. حضّرنا في بداية الربيع الفيلم الاخير الذي يحمل شعار ان لبنان هو البلد الاكثر امانا في العالم. وقد صوّر هذا الشريط قبل وقوع حرب نهر البارد وما تلاها من احداث امنية وسياسية. وفي تلك الفترة ايضا كات السفارات تحذر رعاياها من المجيء الى لبنان، من هنا استنبطنا الفكرة. أردنا القول انه رغم الازمات السياسية والامنية التي تتخبط فيها البلاد لا يؤثر ذلك على جوهر لبنان وعلى طبيعته وكرم اهله وضيافتهم. لذلك وسط كل العوامل غير المشجعة اخترنا سبيلا للاقناع، الترغيب وليس الصدمة. فسلطنا الضوء على الحرارة الانسانية التي تجمع اللبنانيين فقلنا للمتلقي انك ستكون بأمان بين أهلك وفي بيتك. فلم نصور اماكن السهر والترفيه والمهرجانات كما كنا نفعل، صورنا الواقع ببساطة». قد يكون الشريط من الناحية التقنية والابداعية ممتازا، ولكن هل نجح في اقناع المتلقي؟ توضح سردوك ان «هدفنا لم يكن التوجه الى الاجانب بل الى المغتربين لاننا لا نستطيع دعوة الغريب اذا أخفقنا في اقناع ابن البلاد بالمجيء. فإذا تمكنا من اقناع اللبناني بالعودة نكون قد خطونا الخطوة الاولى. خطوة صعبة بعد كل الصور البشعة التي خلفتها حرب تموز، صور الدمار واجلاء الرعايا الاجانب والخوف الذي ظلل البلاد فضلا عن المناورات الاسرائيلية المستمرة. هذه الامور تضر بالسياحة اكثر بكثير مما تفعله خطابات السياسيين وسجالاتهم (...). وكانت المفاجأة سارة لان ردة الفعل على هذا الاعلان اتت ايجابية. هذا ما لاحظناه في عيدي الفطر والقديسين لان الحجوزات كانت مائة في المائة من الدول العربية ومن فرنسا الى لبنان. والغالبية الساحقة من الوافدين كانت من اللبنانيين. اما في ما يخص المغتربين الى استراليا واميركا فاقناعهم يتطلب جهدا اكبر وظروفا افضل بسبب المسافات الكبيرة التي تفصلهم عن لبنان». واشارت الى ان «الوزارة تخطط لانتاج فيلم آخر يروج لاعياد شهر ديسمبر (كانون الاول) وسياحة التزلج». من جهته، اعتبر المدير العام الإقليمي لشركة «امباكت بي. بي. دي. او» داني ريشا أنّ «الترويج للسياحة في لبنان هو من أدق المواضيع التي نعالجها واكثرها خطورة. لأنه مقابل كلّ ثانية من الاعلان الايجابي هناك ساعات من الاعلان السلبي الذي تبثه المحطات العالميّة المختلفة». وقال لـ«الشرق الاوسط»: «الحملة الاعلانيّة الأخيرة كانت من أصعب الحملات الاعلانية التي نقوم بها، لأنه كان علينا أن نتوجه الى اللبنانيين المقيمين في الخارج ونطلب منهم أن يعودوا لزيارة أحبائهم في لبنان ككل سنة، وبذلك يشجعون السياح العرب والاجانب على العودة».
وعن اختيار المطار، قال: «انه ببساطة الرمز الأول لعودة المهاجرين. وبشكل خاص اخترنا مطار بيروت الدولي لما يشهده من ظاهرة لا نراها في أي بلد آخر في العالم: هذا السيل من المشاعر والروابط العائلية التي يعجز الكلام عن وصفها. في الواقع، عندما كنّا نصوّر الفيلم، أخذنا لقطات لا تقدّر بثمن، صوّرنا الذين كانوا يستقبلون أهلهم وأصدقاءهم ولم يكونوا من ضمن فريق الممثلين وهذا ما أعطى الاعلان صدقيّة لا توصف (...). وكان التجاوب ايجابيا جدّاً، ولقد التقط المشاهدون الرسالة المؤثرة لهذا الفيلم، حتى انه تم تناقله عبر الانترنت بشكل عفوي جدا.
من جهتها اوضحت مديرة التسويق في تلفزيون المستقبل كلود صباغة ان الحملة الاعلانية التي يشاهدها اللبنانيون على الطرق وفي وسائل الاعلام المختلفة لا تمت الى التحذير من حرب أو التوعية لخطر داهم بصلة لانها ببساطة حملة تشويقية. الجزء الاول منها حمل صورا وشعارات مثل «قبل ان تستثمر»، «قبل ان تنجر»، «قبل ان تتنفس» ربما لم يفهمها البعض، ولكن بعد ايام اوضحنا في الجزء الثاني من الحملة ان هذه الشعارات تتحدث عن البرامج التي ستقدمها القناة الاخبارية الجديدة لتلفزيون المستقبل. وتطلب من الناس مشاهدة برامج القناة الجديدة ابتداء من 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي قبل اتخاذ اي خطوة. وقالت: «اردنا احداث صدمة لدى الناس لكي يشعروا بشيء ما وينتبهوا الى الاعلان فننجح في ايصاله الى اكبر فئة ممكنة. اردنا ايجاد مجموعة تساؤلات بين الناس. فعبارة «قبل ان تستثمر» تتحدث عن تقديم برامج اقتصادية، فيما تلمح عبارة «قبل ان تتنفس» الى عرض برامج عن الطفولة والتلوث والبيئة. اما «قبل ان تنجر» (والى جانبها صورة طفل ورشاش) تلفت الى اننا سنقدم برامج توعية لان الطفل مكانه في المدرسة ووظيفته الاساسية هي التعلم. وتعني عبارة «قبل ان تتكرر» وهي مقرونة بصورة حقيقية لاحد ارهابيي «فتح الاسلام» اننا سننقل الواقع مهما كان لان ذلك وظيفتنا». ولم ترَ صباغة اي تناقض بين ما حمله اعلان وزارة السياحة والاعلانات التي قاموا بها «لان الوزارة هدفها الترويج للبنان فيما نحن غرضنا الترويج لافتتاح قناة اخبارية». وكان للاعلامية وردة الزامل وهي خبيرة في المجال الاعلاني، رأي مختلف فقالت في حديث الى «الشرق الاوسط»، ان «هناك مباراة بين المؤسسات الحكومية لتقديم صورة افضل عن لبنان. لشركات الاعلان اهداف مادية تسعى لتحقيقها فتتقدم بمقترحات الى الوزارات والمؤسسات الحكومية وتقنعها بأن تقديم اعلان يحسن صورة الوزارة أو المؤسسة كفيل بدوره بتحسين صورة الوطن في عيون المقيمين وبالتالي تحسين صورته في عيون الخارج. وهكذا نرى صورا جميلة عن الامن والسياحة وكأن البلاد تنعم بألف خير. وبالتالي تعمّ فوضى في النظرة الى الوطن بما ان كل اعلان ينطلق من مؤسسة معينة ومن ميول حزبية وسياسية وللاسف طائفية. والنتيجة ان كلاً من منظاره يسوّق للبنان كما يراه. فيعلن كل طرف الوطن على ليلاه. وكأن الوطن أضحى سلعة "ويا مين" يتبارى على كسب ودّ مؤسسة حكومية».
عن الشرق الاوسط.