رجل رحل عن دار الفناء إلى دار البقاء منذ مئات السنين ، وذكره بعض الناس في أيامه - ولا يزال البعض منا -كرمز للظلم والتعسف والحكم الجائر .. إنه " قراقوش " .
ُلقــّب المملوك السابق أبو سعيد بن عبد الله الأسدي بـ " بهاء الدين قراقوش " وقراقوش لفظ تركي يعني طائر العُقاب المعروف . كان قراقوش من رجالات صلاح الدين الأيوبي ، ومن أهم صفاته أنه كان رجلا حازما ، وولاه مناصب إدارية وقضائية عدة ، واشرف على تنفيذ مشاريع عمرانية هامة ، ولعل أهم المناصب التي تقلدها قراقوش كانت القضاء ومسؤولية مدينة عكا ، وقد افتداه عام 588 هـ من أسر الصليبيين بعشرة آلاف دينار ، وقيل : خدم قراقوش صلاح الدين الأيوبي نحو 30 سنة .أسئلة كثيرة تطرح نفسها بإلحاح وقوة : كيف يُتهم الرجل بالظلم والجور ؟ وكيف كان موضع ثقة القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي ؟ وهل يُعقل أن يّولي صلاح الدين الأيوبي ظالما ؟ أو يغض الطرف عنه ؟ وكيف يفتديه من أسر الصليبيين بهذه الفدية الكبيرة ؟ .
يمكن تفسير ما شاب سمعة الرجل الحازم قراقوش بأنه " تندّر " و " تنفيس " العامة في ذلك الحين عمّا في صدورهم من كبت ، وإحساس بالظلم الذي لحق بهم من المماليك ردحا من الزمن .
أعتقد بوجود قراقوش بيننا ، في كثير من المؤسسات والهيئات ، كإداري حازم ، لكننا لا نجد غضاضة في توجيه تهمة الظلم إلى كل إداري حازم ، رغم أن الفرق بين الظلم والحزم واضح وجلي ، لكن البعض يصنف عدم التهاون بالشأن العام كنوع من الظلم ، بل بات الحزم يعتبر سُبّة في نظر الكثير ، وكأن التهاون والتراخي في الإدارة هو نوع من الطيبة المطلوبة ، علما أن التفريط بحقوق الوطن ، بما فيه التسيب الإداري هو من أوجه الظلم ، وما إطلاق تهمة الظلم على الحازم إلا من ضروب الظلم المعروفة .
رحمك الله يا قراقوش ، وعذرا و " ياما في الحبس مظاليم " .
haniazizi@yahoo.com