ثقافة التربص وانعدام الثقة .. في لبنان!
محمد خروب
13-11-2007 02:00 AM
يؤشر التأجيل الثالث لجلسة مجلس النواب اللبناني، الخاصة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، الى ان الامور في بلاد الارز توشك الوصول الى نقطة اللاعودة، بعد ان فشلت (أو أُفشلت) كل المقاربات والبدائل التي تم طرحها في الاونة الاخيرة، والتي يكاد اقتراح البحث عن رئيس توافقي يتقدمها كلها، وخصوصاً ان المرحلة الراهنة لبنانياً واقليمياً، لا تحتمل وجود رئيس من احد الفريقين المتواجهين (8 اذار و14 اذار)..زيارة وزير الخارجية الفرنسي اليوم لبيروت، ستعكس في جملة ما تعكس، حقيقة المواقف التي استقرت عليها اطراف لعبة الامم الدائرة على ارض لبنان، وبخاصة ان كوشنير يأتي بعد أيام قليلة على القمة التي جمعت في واشنطن جورج بوش ونيكولا ساركوزي، والتي افضت الى موافقة الادارة الاميركية على تفويض باريس بايجاد حل لمعضلة الاستحقاق الرئاسي..
المشهد اللبناني قبل هبوط طائرة رئيس الدبلوماسية الفرنسية في بيروت، يأخذ منحى تصعيدياً (وان كان محسوبا)، يهدف اصحابه ربما الى تحسين شروط التفاوض، عبر التهديد بعدم التراجع عن الشروط أو المطالب التي يقدمونها للوسطاء الكثر التي تعج بهم الساحة اللبنانية لاسباب لم تعد تخفى على احد، اذ بات لبنان المختبر ، الذي يحاول اللاعبون المؤثرون تطبيق فرضياتهم او قراءاتهم السياسية الاقليمية والاستراتيجية من خلاله، والذي يتبدى في الضجيج الاميركي الفرنسي اللافت حيال الاستحقاق الرئاسي،فسّره امين عام حزب الله حسن نصر الله بالقول: ان واشنطن وباريس معنيتان فقط برئيس جديد ينفذ القرار 1559 (محوره سحب سلاح حزب الله).. قوى 14 آذار لا تشارك نصر الله بالتأكيد رأيه هذا وهي لا تخفي رفضها استمرار الحزب في احتكار قرار الحرب والسلام الذي ترى انه من حق الدولة وحدها.. لكن المسألة ابعد من ذلك واكثر عمقا من الظاهر، حيث لا يختلف اثنان في الساحة اللبنانية ان نتيجة الصراع الاقليمي الدولي المحتدم، هي التي ستقرر في النهاية الى اين تتجه الامور ويبدو ان الحذر هو سيد الموقف لدى الفريقين، لان صعود احدهما الى شجرة اعلى مما هو مسموح ان يصله يعني مواجهة مبكرة ربما لا يكون الداعمون له (اقليميا ودوليا) مستعدين لها الان.. صحيح ان عامل الوقت يضغط بقوة على الجميع وصحيح ان موعد الاستحقاق يقترب ولم يعد يفصلنا عنه اكثر من اسبوعين ربما لا يكفيان لانضاج صفقة شاملة يتم فيها ضبط التنازلات المتبادلة المطلوبة من الطرفين بعد ان باتت المعادلة التي تحكم مواقفهما معروفة والتي زاد عليها السيد حسن نصر الله شروطا جديدة لا نحسب انه قصد تحسين شروط التفاوض فحسب بل هو كشف المخاوف الحقيقية لديه عندما قال: لا يمكن التسامح في الاستحقاق الرئاسي او تبويس اللحى ثم مضى الى القول في صراحة يجب التدقيق في دلالاتها ..ان طريقة الانتخاب وروحيته، تشيران الى المسار السياسي العام الذي سيذهب إليه لبنان، فهل هذا الرئيس لديه مشكلة في حكومة شراكة وطنية؟ بعد الرئيس - والكلام ما يزال لنصر الله- ستأتي حكومة، هل هي حكومة شراكة ام حكومة إستئثار؟ وكيف ستتصرف؟ ايضا بعد ذلك سيُعيَّن قائد جديد للجيش اللبناني وباقي الاجهزة الامنية، أليست هذه المسألة مدعاة قلق؟ .
الانقسام السياسي العميق في لبنان افقياً وعامودياً، لم يكن على هذه الدرجة من الوضوح اليوم والمعركة السياسية والدبلوماسية المحتدمة الان تدور حول موضوع واحد، هي لا تعنى بالهوية الطائفية للرئيس العتيد ، فالموقع محسوم لصالح الطائفة المارونية لكن هويته السياسية هي المعضلة ولهذا يرفض سيد بكركي الكاردينال مار نصرالله صفير، الدخول في لعبة الاسماء التي طالبه بها نبيه بري وسعد الحريري بما هما العنوان الوحيد لكل من الطائفة الشيعية والسنية على التوالي.
تهديد فريق 14 اذار باللجوء الى خيار النصف زائداً واحداً كما لوح بذلك وزير الشباب احمد فتفت بعد جلسة 21 تشرين الثاني الجاري جاء بعد ان ناشد امين عام حزب الله الرئيس اللبناني التي تقترب ولايته من نهايتها العماد إميل لحود بأن يقوم بما يمليه عليه ضميره وقسمه اليمين الدستورية على حفظ البلاد فيقدم على خطوة مبادرة وطنية oانقاذيةa، اذا لم نصل الى انتخاب لان بقاء الحكومة الحالية اسوأ من الفراغ وايضا الانتخاب بالنصف زائداً واحداً حيث المعارضة لن تعترف برئيس كهذا وسنعتبره غاصبا ومعتديا على السلطة ويتصرف بامور الدولة بشكل غير قانوني .
.. ذهاب واضح في الشوط الى نهايته، والقرار في اربع عواصم لم تعد خافية على احد، اثنتان من عواصم القرار الدولي واشنطن وباريس والاخريان اقليميتان ذات تأثير تاريخي في المشهد اللبناني الرياض ودمشق .. وزيارة كوشنير ستؤشر على المدى الذي وصلته عملية عض الاصابع الدائرة الان..
عملية حفر الخنادق يبدو انها بدأت والنزول اليها مسألة وقت.
.. فاستعدوا؟!.
.kharroub@jpf.com.jo