اليوم وبعد أكثر عام ونصف على الثورة يأتي ما يسمى "وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر ليقول أن ما حدث بين الشعب السوري والنظام "سوء تفاهم"، مما يدل على أن نظام الأسد يعيش حالة إنكار كاملة، وانه لا يرى الشعب السوري ولا ثواره، وان ما يراه ليس أكثر من "عصابات مسلحة وإرهابيين ومندسين وسلفيين وعناصر القاعدة، كجزء من المؤامرة الكونية التي تمتد من المشرق إلى المغرب ضد نظامه، ويوغل الأسد في غيه لدى استقباله رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي بقوله: "ما يجري حاليا من مخطط ليس موجها ضد سوريا فقط وانما ضد المنطقة بأسرها التي تشكل سوريا حجر الأساس فيها.. وانه لن يسمح بذلك "مهما كلف الثمن"، ليعود ويطلق تهديدات جوفاء بحسم معركته مع الشعب السوري بعد ذلك في مقابلة مع قناة الدنيا السورية قائلا إن "القضية هي معركة إرادات.. الوضع عمليا هو أفضل ولكن لم يتم الحسم بعد وهذا بحاجة إلى وقت"، وعلى نفس المنوال ينسج وزير خارجيته وليد المعلم ويهدد "بتطهير البلاد من المجموعات المسلحة".
ومن هنا فان حركة نظام بشار الأسد تتراوح بين "سوء تفاهم" إلى القضاء على المجوعات المسلحة مهما كلف الثمن"، دون الاعتراف بوجود نظام يطالب بإسقاط النظام، مما يعني انه مستمر في المواجهة وخوض الحرب لحسم المعركة ضد الشعب السوري الثائر.
في المقابل يصر الشعب السوري على المضي قدما في ثورته حتى إسقاط نظام الأسد، ويعلن عمليا انه لا يقبل بأي حلول لا تؤدي إلى الإطاحة بالنظام البعثي بكل رموزه، وفي سبيل الوصول إلى هذه النتيجة شمر الثوار عن سواعدهم وحملوا السلاح دفاعا عن المدن والقرى وحماية المدنيين الأبرياء الذين يقتلهم نظام الأسد بالطائرات المقاتلة والمروحيات والدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ والقنابل الفراغية والحصار والتجويع وقطع الماء والكهرباء والدواء والاتصالات وتدمير المستشفيات، وإزالة أحياء بأكملها عن وجه الأرض مثل حي بابا عمرو الحمصي وحي صلاح الدين الحلبي، وارتكاب مجازر وصل عددها إلى اكثر من 400 مجزرة كما حصل في داريا التي ذبح نظام الأسد فيها نحو 400 بريئا بدم بارد، والحولة وكرم الزيتون ودرعا، وتنفيذ إعدامات ميدانية.
الشعب السوري لم يدخر جهدا فهو قدم الغالي والنفيس من اجل الحصول على حريته من نظام الأسد الإجرامي الإرهابي الباطني الطائفي العلوي المافيوزي، وثوار سوريا في الجيش السوري الحر والكتائب والأولوية المقاتلة قاتلوا قتال الأبطال في كل المواجهات ضد قوات الأسد وشبيحته وخاضوا معارك سيذكرها التاريخ في حلب وحماة وحمص ودرعا ودير الزور وغيرها من المدن السورية وآخرها الملحمة الكبيرة في اقتحام القاعدة العسكرية في تفتناز بمحافظة إدلب وتدمير معظمها بما فيها 10 مروحيات كانت رابضة في مطارها.
مشكلة ثوار سوريا أنهم يواجهون جبهة تمتد من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى طهران وقم ومن الكرملين في موسكو إلى القصر الرئاسي في بكين عبورا ببغداد التابعة لإيران والمعادية للثورة السورية .. هؤلاء هم الأعداء العلنيون، أما الآخرون فهم يلعبون أيضا بالدم السوري من تركيا إلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا والدول العربية، وهم ليسوا أكثر من "حلفاء وهميين" للشعب السوري، مما يضع ثوار سوريا في مأزق حقيقي بسبب نقص السلاح والغذاء والدواء والدعم، ويدفعهم إلى خوض المعركة وحدهم ضد نظام الأسد وحلفائه والساكتين عليه.
تستحق الثورة السورية أن توصف بأنها "الثورة المغدورة" التي غدر بها "الأصدقاء" قبل الأعداء، و" الثورة اليتيمة" لأنها تركت وحيدة بلا معين أو داعم، فالثوار السوريون يخوضون حربهم وحدهم ضد الآلة العسكرية العاتية لنظام الأسد الإرهابي، وهذا ما يجعل من الشعب السوري بطلا فوق العادة، يخوض معركة غير عادية في مواجهة نظام دموي غير عادي في ظل تخاذل دولي غير عادي وصمت عربي مريب وانهيار قيمي عالمي غير عادي ..
الشعب السوري الذي قدم حتى الآن أكثر من 50 ألف شهيد على مذبح الحرية و100 ألف جريح و100 ألف معتقل و300 ألف نازح خارج سوريا و مليونين ونصل مليون تركوا ديارهم خارج سوريا لا يدين احد لأحد بشيء وليس في رقبته أن يقول "شكرا" لأي كان.
الثورة السورية ملحمة كبيرة في تاريخ العرب والعالم، فسوريا هي مهماز التغيير العربي وهي تقف على "خطوط التماس الحضارية" للعالم، وهذا بالضبط ما جعل المتحدث باسم الخارجية الروسية للقول "إن النظام العالمي الجديد يتشكل في سوريا"، وهذا ما يفهمه آيات الله في قم الذين يعتبرون "نظام الأسد" حجر الزاوية في طموحاتهم الإقليمية الشيعية الفارسية في مواجهة التاريخ والجغرافيا العربية التي كانت دائما في غير صالحهم.
سوريا ليست رقما سهلا في معادلة العالم، فهي في التاريخ حضارة، وفي المجتمعات مدنية راقية، وفي الدين نواة الصلبة للأمة، وفي الجغرافيا عقدة الوصل بين الجميع، وفي الاستراتيجيا غرفة القيادة والتحكم لكل التغيرات في العالم العربي والمنطقة الممتدة من طهران شرقا إلى القدس غربا، ومن اسطنبول شمالا إلى الرياض جنوبا .. باختصار سوريا تصنع التاريخ وتشكله من جديد، وهذا ما يربك القوى العظمى في العالم ويربك إسرائيل والحركة الصهيونية وإيران وتركيا ويربك حكام العرب الخائفين على كراسيهم.