المقاطعة ليست إصلاحا ولا تبني وطنا
ممدوح ابودلهوم
29-08-2012 03:22 AM
نجهر وبعالي الصوت نحن وكل من يهمه أمر هذا الحمى العربي الأشم، بأن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة ليست فقط حقاً دستورياً وواجبا وطنياً أيضاً ، وليس لوناً من الترف السياسي نحو تفعيل مكنزمات فن الممكن وحسب، بل هو إلى ذلك أيضا وفي المقام الأول حاجة ديمقراطية تبررها وبشكل صريح الضرورة الإصلاحية، وهذه الضرورة وتوأمها الحاجة تفرضها بكل قوة وبمنتهى الإلحاح خصوصية الراهن السياسي.
أردنيا نحن نواجه حقبة مركبة من عناصر المتحول لا مكان فيها للثابت – حتى تاريخه على الأقل، أما مبتدأ هذه الحقبة المفخخة بغير صاعق سياسي، يقف متربصا أمام أصحاب القرار في الدولة الأردنية، وليس سراً أن يتمثل هذا المبتدأ في ما يمكن تسميته بالرتق السوسيولوجي وعلى الصعد كافة، والذي نحكم وبكل اطمئنان بأنه بحفظ الله ثم وبهمة غيارى البلاد لم يتسع بعد على الراتق، ونحن لا ندفن رؤوسنا بالرمال ولا نغطى الشمس بغربال حين نقول أننا كنا نواجه فلاتانا أمنيا، جاء نتيجةً لاحتشادات الأجهزة الأمنية كي تضرب المثال وتقدم الأنموذج – الأمن الناعم.. مثالا، اليوم الأمر جد مختلف إذ نكاد نجزم بأن مياه الراهن الأمني قد بدأت بالعودة إلى مجاريها الباسلة.
أما خبر المبتدأ أعلاه وهو مفصل رئيس من مفاصل تركيبته، وهو ما يجري في الأقطار الشقيقة حولنا أو دول الطوق – سورية.. تخصيصا وتعميماً وبذات المعيار، فنحن وطنيا وقوميا وإنسانيا بالتالي لا نعيش بمعزل عما يجري في الإقليم بخاصة أو الشرق الأوسط بإجمال، ففي الأخبار أخطار التفجيرات السورية قرب الحدود ثم داخل الأرض الأردنية، ثم تزايد أعداد اللاجئين السوريين وبشكل لافت في الأيام الأخيرة على وجه التخصيص، بأرقام تفوق تحمل وقدرة المخيمات وأولها مخيم الزعتري في المفرق، أما الأخطر من هذا وذاك وذياك فهو فيما أجزم ما أسمته الميديا بالخلايا النائمة، ذلك أننا اعتدنا في أردن الهواشم المرابط، وبوازع من موقفنا الحضاري والتزامنا القومي في المقام الأول، أن ندفع ثمن ذلك بأيدي الشقيق قبل الصديق ما عَتُمَ من سيناريوهات التخريب وتلاوين الاستهداف، فالخلايا النائمة هذه تغطُ غالبا في سبات عميق في أي بلد على هذا الكوكب، لكنها في بلدنا الطيب تصحو وتملأ الدنيا صراخاً ترهيباً وترعيباً قد يكون مستصغر شررهما على شكل نيران صديقة(!) غير أننا نحمد الله بأن بواسل الأجهزة الأمنية يسيطيرون على الأوضاع، وأنا أشير هنا مباشرةً وضارباً المثل أيضاً إلى خلايا مخيم الزعتري.
الوضع الداخلي، إذن، ولأسباب محلية وخارجية، أمام معترك صعب يريد تدخلاً سريعاً عبر مجموعة حلول ملحة وجذرية، يأتي في مقدمتها أهمها بل ومفتاحها الرئيس بإمتياز ألا وهو إجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية العام، وفي ضوء هذه التخريجة لا نمل نؤكد بأن المشاركة موقف ضروري ومفصلي يجب تفعيله، وبأن المقاطعة هي أيضاً موقف على عدميِّ طرحه السياسي لكن الترويج للمقاطعة، ليس موقفاً يشكل رأياً أو مبدأ يمكن البناء عليه بل وبكلمة هو خرق للقانون ومخالفة للدستور في آن معاً.
من هنا.. خلوصاً، ندعو إلى المبادرة فوراً للتسجيل واستلام البطاقات الانتخابية بهدف المشاركة اقتراعاً وترشيحاً، وهو مما نكاد نجمع حد الجزم بأنه أمر يشكل وبمنتهى الشفافية ، الحلقة المفقودة أو الفريضة الغائبة بل والتميمة الحارسة لحاضر ومستقبل هذا الحمى الديمقراطي من بابه الإصلاحي كهدف عريض، كيما نبدأ بالتقاط الأنفاس للعودة تدريجياً إلى الوضع الطبيعي، حيث أردن القانون والمؤسسات الضاج بالحراك السياسي المرتجى، وبهذا المطمح الذي أزعم أننا بدأنا نرى تباشيره في الأيام الأخيرة نحديداً، سينتقل صنع القرار من الشارع إلى قبة البرلمان وهو مما لا يختلف اثنان على اعتباره حجر الرحى في الإصلاح السياسي..