لا يحتاج المواطنون إلى مزيد من الدعاية والترويج من أجل إقناعهم بالتسجيل للانتخاب، أو من أجل الحصول على البطاقة الانتخابية في الظروف الطبيعية، ولن تفلح كل المحاولات التي تبذلها الحكومة في ابتكار الدعايات، سواء كانت جذابة وعصرية أم لم تكن، ومهما تستخدم من وسائل، ومهما تستعن بخبراء الدعاية أو بعض الكتاب وأصحاب الأعمدة، في خلق الأجواء القادرة على قلب مزاج المواطن المحبط والمتشكك، والملدوغ من جحر الانتخاب عشرات المرات.
لقد كان من المفروض أنّ أجواء الربيع العربي، وما تمّ من خطوات إصلاحية أن تدفع المواطنين دفعاً إلى المزاحمة على التسجيل وتثبيت أسمائهم في سجلات الناخبين، وإبداء الحرص على الترشح والانتخاب، وبذل الجهد المسبق في زيادة التجمعات الانتخابية في وقتٍ مبكر، من أجل حجز مقعده في ذاكرة الناخبين، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث ولن يحدث، وليس هناك أي مظهر من مظاهر الحماس لدى الأغلبية الساحقة من المواطنين.
وهنا يجب الاعتراف بأنّ الحكومات المتعاقبة لم تستطع خلق الأجواء المشجعة التي تحيط بالمواطن وتخلق فيه الدافعية المطلوبة للانخراط في هذا الشأن الخطير الذي يعد في الدول المتقدمة ولدى الشعوب المتحضرة مرحلة تحول تاريخي في حياتها، ومناسبة خطيرة الشأن عظيمة الأثر في مستقبلها، لأنّ الانتخاب في الأصل وفي الظروف العاديّة أداة من أدوات اختيار السلطة، ووسيلة من وسائل التغيير، وتمثل استفتاءً عاماً على السياسات المنصرمة واستفتاءً جاداً على السياسات المستقبلية، من خلال الاختيار الجماعي للبرنامج المطلوب، لكن وللأسف فإنّ المواطن الأردني يعلم علم اليقين أنّ الانتخابات المقبلة لا تمثل نقطة تحول، ولكن تكون استفتاءً على سياسات سابقة ولاحقة، وباتت الأغلبية الساحقة توقن تماماً بأنّهم لن يكونوا قادرين على إحداث التغيير المطلوب في ظل هذه الظروف.
لقد استطاعت الحكومة الحالية أن تنجح في خلق أجواء الإحباط العامة، التي تسود المشهد الأردني، واستطاعت أن تقنع المواطن بأنّه لا تغيير على ما سبق، فالوجوه هي الوجوه نفسها التي تتسيد المشهد الأردني برمّته سياسياً واقتصادياً وإدارياً، والمنهج هو المنهج نفسه في التعيينات واختيار الأشخاص، فما زالت المحسوبيات والشلليات هي العلامة التجارية الأردنية الفارقة بامتياز، وليست هناك نية لإعادة النظر في كل ما تمّت مصادرته من أملاك المواطنين وأراضيهم، ولا أمل في استعادة الفوسفات ولا البوتاس، ولا أمل في خفض أسعار الكهرباء، ولا أمل على الإطلاق في تمكين الشعب من استعادة سيادته وسلطته على مقدراته، ولا أمل في الانتقال نحو الديمقراطية في الأمد القريب إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه الآن، ولا أمل في تغيير البيئة العلمية ولا طريقة إدارة الجامعات أو الوزارات، ولا أمل في تحسين البحث العلمي، ولا أمل في تقليل نسبة العنف، ولا حتى حل مشكلة المواصلات أو أيّة أزمة من أزمات المعيشة اليومية المستعصية ولا أمل في انفراج الحريات، فالحكومة مقدمة على فرض قانون المطبوعات الجديد المعدل الذي يعد خطوة تراجعية في مجال تقييد الحريات الإعلامية وتكميم الأفواه، وأقدمت كذلك على رفع الأسعار وسوف تشهد المرحلة المقبلة ارتفاعات أخرى كثيرة على الكهرباء والمياه ورغيف الخبز، وسوف ترتفع أرقام البطالة، وسوف تزيد مساحات الفقر، وتقل مساحات الرقعة الزراعية، ويرتفع منسوب الضرائب، وسوف تزيد المديونية العامة، وسوف تلتهم الأقساط والفوائد كامل الإنتاج القومي.
هذا ليس مبالغة ولا ضرباً من ضروب التشاؤم، هذا هو الواقع وهذا هو المسار الذي نراه رأي العين ونحس فيه ونعيشه يوماً بيوم.
فما هي الأسباب التي تدفع المواطن للتسجيل والانتخاب في ظل هذه الصورة القاتمة وهذا المشهد الحزين.
ينبغي أن لا يخطر على بال أصحاب المسؤولية أن مجرد الاكتفاء بوضع لافتة مكتوب عليها الهيئة المستقلة للانتخاب، أو النص على محكمة دستورية، أن يهرع الناس إلى صناديق الاقتراع، فهذا مجرد وهم سوف يتبدد على صخرة البؤس الشعبي، وفساد القطط السمان وعبثها بالمال العام، وفي ظل الإصرار على تكرار المشهد السابق بكل مظاهره وبكل تجلياته .
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم