الزمان: يوم الخميس الثالث والعشرين من آب.
المكان: قاعة غرفة التجارة في إربد.
المتحدث: الدكتور هايل عبيدات مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء.
الموضوع: الحديث عن ذلك الكم الكبير من المطاعم المخالفة لأبسط مواصفات الصحة والسلامة العامّة.
ربما أن هذه الإطلالة تبدو وكأنها استهلال لنص مسرحي، وهي بالفعل كذلك، ولكنها في تفاصيلها تراجيدياً محزنة تثير الأسى والألم. وحتى أكون دقيقاً فإني سأنقل نصوصاً من جريدة الرأي التي قرأت على صفحاتها الخبر.
أوّلاً: يقول الدكتور عبيدات "إن سياسة الإعلان عن المطاعم والمؤسسات المخالفة بشكل غير مسبوق، يمثل جزءاً من العقوبات التي أثبتت نجاعتها بشكل كبير". فعلاً كان إعلاناً ولكنه إعلان ناقص إذ لم يسم الأشياء بأسمائها حتى أقول لإبني أن يتجنب هذه المحلات.
وهذا هو المشهد الأول من المأساة.
ثانياً: طلب الدكتور من وسائل الإعلام "عدم المبالغة". وهذا هو المشهد الثاني. إذ لم ندرِ ما هي هذه "المبالغة" عندما يتعلق الأمر بالصحة. ومع أن الدكتور يضيف في ذات الجلسة "أن صحة المواطن هي فوق كل العناوين والأسماء والماركات، وأن أسلوب الإعلان لن يلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني أو يؤثر على مستوى السياسة الغذائية. فكيف ذلك؟!
وهذا هو المشهد الثاني من المأساة.
ثالثاً: وهي الطامة الكبرى، إذ يقول سعادته بعد كل هذا الحديث "إن معظم المخالفات التي تسجل نابعة، في كثير من الأحيان، من "عدم دراية" أو "تقاعس" في تطبيق الشروط الصحيّة المتعلقة بظروف التخزين أو التعامل مع السلع (التي يصفها بأنها) ذات الحساسيّة العالية كاللحوم والأسماك والدواجن والألبان بمشتقاتها المختلفة والعصائر وغيرها الكثير، إلى جانب عدم ملاءمة طريقة العرض والبيع المباشر للمستهلك لهذه الشروط من نواحي الصحة والنظافة، فيما تتعلق باقي المخالفات بفساد بعض المواد الغذائية والأطعمة وانتهاء صلاحيتها للاستهلاك البشري". ويضيف أن وضع "العديد" من المطاعم في اربد هو وضع "مرير"، ويتجاوز حد المقبول، وربما أن إهمالها يؤدي إلى "كارثة". فهل هناك جريمة أكبر من هذه الجريمة؟.
إذن الأمر جد خطير، ويجب على المسؤولين دعوة كل وسائل الإعلام لإبراز هذه المأساة بكل قوّة، وألاّ نقول عن ذلك التناول الخجول الذي تم بأنه "مبالغة". فكل لقمة أكلها المواطن كانت مملوءة بالسموم والأمراض المفضية، في كثير منها، إلى الموت ربما.
وهذا هو المشهد الثالث من التراجيديا.
رابعاً: في ذات الجلسة يُعلن عن الشكوى التي قدّمها أصحاب المطاعم من ازدواجية المعايير (وهذه لم أفهمها)، ثم أعطيت الفسحة لهؤلاء أن يعترضوا على "تعدد" جهات الاختصاص. (ولا أدري أيضاً ما المقصود بذلك)، ولكنهم قالوا ذلك أمام الدكتور عبيدات.
وهذا هو المشهد الرابع والأخير من المأساة، حيث بعدها أُسدلت الستارة.
ذكرني الأمر بتلك الجلسة العاصفة لمجلس الوزراء التي أثار خلالها وزير الصحة آنذاك زوبعة، عندما شكا من سوء تصنيع الأدوية عندنا. يومها قال أحد الوزراء إن إعلان وزير الصحة سيضر بتجارة الأدوية الأردنية وسمعتها. واستشهد بتقرير لسفيرنا في تونس الذي جاء فيه أنّ كثيراً من المستشفيات والمؤسسات الطبية التونسية قد عزفت عن استيراد الدواء الأردني.
تابعت الأمر، وحصلت على معلومة تقول، إنه بعد أن وجهت الحكومة أجهزة المراقبة الدوائية إلى ضرورة تصحيح المسار، وبعد أن اضطرت مصانع أدويتنا إلى تعديل الخلل، زاد الاستيراد التونسي لأدويتنا، وقد أُعلم السفير أن حديث وزير الصحة قد أعاد الثقة بدوائنا.
إذن يا سيدي الدكتور عبيدات إنّ وضع النقاط على الحروف، وإنّ الحديث الشفاف سيعدّل الخطأ، وإنْ نحن سمينا هذه المطاعم فإنها ستكون عبرة لهم ولمن يعتبر. وسيزيد الثقة بأكلنا وشربنا. ولذلك فإني أدعو وسائل الإعلام أن تنهج بقوة في فضح المستور وعدم التستر عليه.
كما يذكرنا هذا الأمر بسياسة برنامج "مع المستهلك" الذي كان يبثه (ولا أعلم إنْ لم يزل) التلفزيون الأردني عندما كان يدخل بصورة مفاجئة إلى المطاعم والأسواق التي كانت تبيع الغذاء ويفضح أوضاعها.
الأمر ليس سهلاً، بل هو جد خطير، ويجب عدم التساهل فيه.