لا حاجة للبصيره , البصر وحده ينذر بأن ( الشرق الأوسط ) بمجموعه ينتظر المجهول المرعب , فالمنطقه من ايران شرقا الى البحر المتوسط غربا ومن عدن جنوبا الى البحر الاسود شمالا هي اليوم على فوهة بركان , ولا احد يملك ان يدعي معرفة الاتي , سوى أنه كارثي وخطير ومرعب , ولا مجال لتوقع غير ذلك الا اذا حدثت معجزه بارادة الهيه.

وسط هذا الحال ينغمس الاردنيون جميعا وهم القابعون وسط النار لا عند حوافها , في حديث التفاصيل بأمور محليه لا علاقة جذريه لها بما يجري في المنطقه والاقليم , واذا ما غضب الله على قوم – ونسال الله ان لا نكون منهم – سلط عليهم الجدل حول التفاصيل
الأمر المستغرب أننا جميعا وفي هذا الوقت العصيب بالذات ندير ظهورنا للتوافق الوطني المطلوب حول المبادئ والأساسيات وننشغل وبالكامل في حديث التفاصيل , والتفاصيل يكمن في ثناياها الشيطان !!!

وللانصاف وللحقيقه فهذا الحال ليس بالامر الجديد المستجد عليها , فنحن ومنذ العام 1989 نعاني من تبعات هذا الواقع, خاصة وأننا جميعا وبلا استثناء ندعي الحكمة والدراية وحصافة الرأي وعلى نحو يبدو فيه كل مواطن ومواطنة وبالذات في مجتمع "النخب" كما لو كان هو وحده من يملك الحق والحقيقه , وهنا تختلط الأمور عندما يغيب أو يتلاشى دور الحكماء والعقلاء وقادة الرأي العام.

صحيح أن لدينا من المشكلات والاخطاء والممارسات غير الموفقة الشيء الكثير , وتلك أمور يجب وطنيا تداركها واصلاحها بروح وطنية صادقه , الا ان المصالح العليا للوطن والعامة للشعب , وبخاصة تلك المتعلقة بالوجود والحاضر والمستقبل وبالامن الوطني وبالقدرة على مواجهة الخطر والاستهداف لا بد وان تتقدم على أي أمر أخر !!

منذ القدم وبالذات عندما كان الاردن يعج برجال الدولة الحقيقيين الذين يقدمون مصالح البلاد والعباد على مصالحهم الخاصه , لا بل ويضحون من أجل الوطن , كنا قادرين على مجابهة أعتى التحديات , فقد خضنا أربع حروب واكتوينا بنار ثلاث أخرى وتحملنا وتحمل بلدنا الصغير الفقير في الموارد ما لم يتحمله أحد غيرنا , ومع ذلك خرجنا من تلك الدوامة أكثر قوة وأميز حضورا وأزهى وجودا , واليوم وقد تغير الكثير من المفاهيم وباتت رجولة الدولة ادعاء لدى الكثيرين منا , فان الحال يسوجب الخوف خاصة بين صفوفنا نحن العامة أو من يحلو للنخب اطلاق وصف ( الأغلبيه الصامته ) علينا .

نؤمن وبقوه , بأن لدى الدولة الاردنية ( المملكة الاردنية الهاشمية ) من عناصر القوة المعنوية والقيمية المتصلة بالدين والتاريخ والشرعية والانجاز والنسب والارادة ما يكفي لزرع الطمأنينة في النفوس , لكن المؤلم هو أننا لا نرى استثمارا حقيقيا لتلك العناصر خاصة عندما يصبح فعل الدولة مجرد ( ردات فعل ) على الادعاءات والمزاعم والشعارات وقليل منها صادق وكثير منها غير ذلك .

يقال لنا بأن تعدادنا بات يقارب سبعة ملايين نسمه , والأصل اننا شركاء ( مشاع ) في الوطن كقيمة لا كحصص يجري تقاسمها باعتبارها حقوقا وملكيات فردية , ولم تكن الأوطان في يوم من الايام ملكيات لافراد او جماعات وانما هي قيمة عظمى لا تقابلها قيمه سوى قيمة الايمان بالله الواحد الأحد , ولهذا فان التاريخ يتحدث عن أمم وشعوب وأوطان ذهبت أدراج الرياح عندما تنازعت شعوبها على الحصص والمغانم والمكاسب , وفي المقابل عن امم وشعوب فرضت حضورها على البسيطة كلها عندما امنت بان اوطانها قيم لا مغانم , وبأن وجودها الوطني شرف لا مكاسب مادية أو سياسيه .

يقف الحليم حيرانا من هول بعض ما يرى ويسمع , فالوطن كله رهن بالحديث عن قانون أو عن فاسد أو اشاعة أو معلومة فضول أو تغيير حكومه وحل مجلس أو تعيين شخص أو اقصاء أخر من موقع مهم , يجري هذا في بلد يخسر تباعا الكثير من المقومات المادية المهمة للدولة وأهمها الماء ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) , والطاقه , (الناس شركاء في ثلاثة الماء والنار والكلأ ) , والحبوب ( الذي أطعمهم من جوع وامنهم من خوف ).

أقسم أنني لم أكن أود الكتابة وبالذات في هذا الزمن الطيب ! , فالذين يكتبون كثر والذين يقرأون قله , ومنهم من يفسر على هواه وبحسب نياته هو , وهذا زمان يحتاج كثيرا الى صفاء النيات ولا حول ولا قوة الا بالله وهو وحده جل في علاه من وراء القصد .