تكتسب قمة دول الانحياز اهميات , لا اهمية واحدة , فهي تنعقد في طهران العاصمة الاكثر اشكالية في الاقليم , والتي بيدها مفاتيح الحل لاكثر من ملف اشكالي ايضا , ولأن طهران لها معادلة خاصة وكيمياء يختلط فيها النفطي بالسياسي بالمذهبي , كانت المشاركة الاردنية بحاجة الى معادلات خاصة , وخبرة سياسية فيها العقائدي والفكري بالتوازي , ولذا جاءت رئاسة الامير الحسن لوفد المملكة الى القمة الاستثنائية بكل المعايير , كدليل اضافي على المهارة الاردنية في التعامل مع الملفات الشائكة والمتشابكة , فالحسن يملك خبرة وذاكرة طويلة في التعامل مع العاصمة الايرانية ومختلف تلاوينها السياسية .
ايران لا تريد للقمة ان تخرج دون بصمة , فسارعت طهران الى الاعلان عن مبادرة لوقف حمام الدم في دمشق , ووفرّت لمبادرتها اجواء تطمينات بإعادة تظهير غياب فاروق الشرع , نائب الرئيس السوري المختفي منذ امد طويل من الازمة , بعد لغط سياسي حول مواقف ابن درعا اول الشرارة في الانتفاضة السورية وأكثر الصامتين على دمار مدينته .
على المسار الفلسطيني , كشفت حماس عن غيابها لتوفير اجواء مصالحة سياسية من جهة , رغم تلقيها دعوة للمشاركة , وللهرب من موقف معلن حيال ما يجري في سوريا , فالموقف الحمساوي من سوريا ما زال موضع خلاف داخل الحركة , ولا مجال لموقف يحمي الكيان الغزي دوليا ومصريا , اذا كان التصريح او الموقف سيصدر من العاصمة طهران التي تحمل راية الدفاع والدعم عن النظام السوري , فكان الغياب مزدوج الاهداف , فهو يمنح التمثيل الفلسطيني صفة الوحدة وينأى بالحركة عن موقف لا تستطيع تقديمه للحليف بلد الاقامة الى الان .
طهران وهي تستبق القمة بلقاءات دمشقية , تريد ان تقول ان خيط الحل يبدأ من المسلة الايرانية , فكل ما تراهن عليه دمشق الرسمية مربوط بالموقف الايراني , من حزب الله الى حركة حماس , فهي تملك التصعيد وتملك التهدئة , ورسالة المناورة العسكرية لحزب الله مع الفصائل الفلسطينية المؤيدة لطهران توضح ان طريق الديبلوماسية في العاصمة طهران وادوات التصعيد وفرق التفجير صواعقها ايضا في نفس المكان , فأي موقف او خارطة طريق للحل تقدمها طهران لها موثوقية من قبل الرئيس الاسد ونظامه , ولها نوافذها وابوابها مع الصين وروسيا ولها ادوات تنفيذها على الارض , ورسالة الحضور الكثيف في طهران يعني ايضا , ان الادارة الامريكية لم تعد قادرة على تحجيم المشاركة او التضييق على ايران لحد افشال القمة .
المفيد على المشهد المحلي المرتبط حكما بتداعيات الاقليم , هو المشاركة بوفد من العيار الثقيل , فالاردن ليس من مصلحته المشاركة على مستوى رأس الدولة ولا يمكنه المشاركة البروتوكولية بوزير خارجية او رئيس وزراء , فمكانة الامير الهاشمي تمنح المشاركة هيبة الشرعية والمشروعية وتمنح القمة احترامها وقيمتها في هذا الظرف الحساس , فالرسالة واضحة الدلالات ورئيس الوفد خبير استثنائي في الشأن الايراني .
فالاردن على تماس مع كل الاوراق الايرانية , فدمشق جارة العمر وشريكة الجغرافيا في برالشام , وحماس طرف اصيل في المعادلة الفلسطينية التي يعتبرها الاردنيون شأنا داخليا , دون اغفال للجيرة العراقية وظلالها , ودون اغفال لأثر حزب الله , فالاردن في عين العاصفة , وتفتق العقلية السياسية بوفد على هذا المستوى يشير الى ان المقر لديه الكثير من الحلول , ولديه من السيوف الاصيلة اكثر مما يعتقد الاحباء والخصوم .
omarkallab@yahoo.com
الدستور