جيل ينشد الكرامة
النائب الاسبق د. بسام البطوش
27-08-2012 01:46 AM
هذا هو الدور الحقيقي للصحافة ،عندما تتجول كاميرا أحد المواقع الالكترونية الأردنية ( عمون) في أرجاء مخيم الزعتري للأشقاء اللاجئين السوريين في شمال شرق البلاد، فإن الصور تدمي القلب، وتثير الشجن،وتحفر في عمق النفس ،بحثا عن إجابات للتساؤلات المفجعة المرتسمة على محيا كل طفل سوري، لقد صدمتنا الكاميرا بمواجهتهم ولو عن بعد.
مقاربة الصور القادمة من الزعتري تثير كل التساؤلات المسكوت عنها، وتلك التي فشلنا في الاجابة عنها أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة من الماء إلى الماء، فقد عجزنا عن اشتقاق كلمات قادرة على مواجهة تساؤلاتنا عن المستقبل العربي والنهضة العربية والتقدم والوحدة والحرية والاستقلال والتنمية وحقوق الانسان العربي بل عن حقيقة وجوده. كنت أحاور شابا يافعا عن مستقبل سوريا الوطن والدولة، مبديا حزني على ما آلت إليه أحوالها ،لكن اليافع الأردني الجميل يرى أن الوطن مقدس بحفظه كرامة الانسان ،أما المنجزات المادية فالإنسان الحر المكرم الكريم هو من صنعها وهو من يعيد إنتاجها مرات ومرات بإبداع أكثر جمالا.
الجيل العربي الجديد فتح عيونه على الدولة الوطنية العربية المدججة بالادعاءات والشعارات والغارقة بالإخفاقات والمنتجة للخيبات والهزائم على الصعد كلها. هذا الجيل كفر بادعاءات كثيرة حول تفسير الواقع العربي المهزوم، وهو يرفض التنظير المتخم بالغباء حول المستقبل العربي المجهول لا المنشود، وهما واقع ومستقبل تفرد بصياغتهما وتحديد مساراتهما نخب فاسدة بائسة في الخلق وفي العقل وفي السلوك، وفاشلة في كل شيء... في إنجاز الوحدة والحرية والاستقلال، لكنها نجحت في قتل الروح الوطنية الحقة، ولوثتها عندما ظلت تتغنى بها في فضاءات مختنقة و مخترقة بالفيروسات العنصرية والطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية والفردية والدكتاتورية .
الجيل العربي الجديد الذي نراه في الشوارع العربية على مدى عامي ما يسمى بالربيع العربي يبحث عن ذاته المفقودة المسحوقة المشوهة بفعل النخب الفاسدة البائسة الفاشلة، وهو على وعي أكيد بضرورة مغادرة اللحظة العربية القاتمة التي ارتهنت فيها الأوطان للأنظمة المتاجرة بكل مقدس. تلك الأنظمة التي أنتجتها الانقلابات الطائفية والشللية لتنتج بدورها أنظمة بوليسية دموية غاية في البشاعة.
الجيل العربي الجديد ،ينشد لحظة عز وكرامة يمتلك فيها القدرة على إعادة إنتاج الواقع العربي بمواصفات جديدة عنوانها ببساطة كرامة الانسان ولا شيء غير كرامة الانسان .
المشهد السوري الدموي يدمي الحجر ،ويوجع القلب، ويثير الوعي ويدفعنا نحن هنا في الأردن لحماية دولتنا ووطننا ومنجزنا التنموي وكرامتنا وكرامة الإنسان الأردني بتعزيز روح الوعي الوطني والوحدة الوطنية والإصرار على العبور إلى المستقبل الآمن لوطن ينجز مشروعه الاصلاحي المستقبلي بتوافق وطني شامل يرسخ إلتفافنا حول ثوابتنا الوطنية المقدسة.
الأردن الذي يعاني أزمة إقتصادية خانقة في زمن الربيع العربي، ويعاني شحا مزمنا في الموارد وفي المياه ،وعانى على المدى من الهجرات المتتالية التي أثقلت كاهله ،كبير كبير ،ولن يضيق ذرعا بالأشقاء اللاجئين ولن يدع سبيلا لخدمتهم ومساندة قضيتهم واحتضانهم بمحبة. ظروفنا ليست مريحة وليست مثالية، لكننا لم نترب إلا على فتح القلوب والعقول والبيوت والديرة كلها أمام الأشقاء، ولم يكن الأردن في يوم من الأيام مغلق الأبواب أمام مستغيث أو مستجير أو عابر سبيل، وأعجب ممن ينتقد الأردنيين ويتهمهم بالتقصير أو بالعنصرية، وأقول لهم لو كان الأردني عنصريا لضاقت عليكم الأرض بما رحبت !!
الرأي