لا بد أنكم سمعتم بحرب "الكولا" الناشبة بين شركتي أو لوني أو طعمي كل من: "كوكا كولا" و "بيبسي كولا". هذه الحرب المستعرة في كل أركان العالم لم تنته بهزيمة أو انتصار أي من المشروبين اللدودين، ولا بهزيمة أو انتصار العملاء. فهي حرب مستعرة ومستمرة ويخيل لي أنها لن تنتهي أبدا.قبل ربع قرن، قرأت كتابا بعنوان: "كيف تفهم أمريكا" وكان مما جاء فيه أن أمريكا منقسمة إلى حزبين: الحزب الجمهوري ولونه أحمر، والديموقراطي ولونه أزرق. هذا لا يعني أن الجمهوريين يفضلون "الكولا كوكا" وأن الديموقراطيين يشربون "بيبسي"، بل يعني أن أمام كل ناخب أمريكي ثلاثة خيارات، إما أن يختار الأحمر ويصوت للجمهوريين، أو يختار الأزرق ويصوت للديموقراطيين، أو يمتنع عن التصويت.
وهذا ما يحدث في عالم الكولا. إما أن تشرب الأحمر (كولا) أو تشرب الأزرق (بيبسي) أو تمتنع عن تناول المشروبات الغازية فلا تتجشأ أبدا. ربما أنك تناولت وجبة في مطاعم "كنتاكي" أو "بيتزاهت" واضطررت مرغما لشرب البيبسي، أو اخترت مطاعم منافسة وأجبرت على شرب "الكولا". وقد تكون سلكت طريقا ثالثا وفضلت الماء أو طلبت عصيرا طبيعيا ولم تجده، لأن مطاعم الوجبات السريعة لا تقدم لا عصائر طبيعية ولا اصطناعية، فهي مخلصة للونين الأحمر والأزرق، لكنك مهما شربت ومهما أكلت فلن تشعر بالرضا أبدا عن اختيارك، لأنك لن تستطيع الامتناع عن التصويت، فلا يجوز ألا تأكل ولا تشرب مناسف وقهوة العشيرة.
في أوكرانيا تدور حرب أخرى بين البرتقالي الموالي للغرب، وبين الأزرق الموالي لروسيا، ولا يلوح في الأفق لون ثالث "صحي" أو طبيعي موالي لأوكرانيا. مع أن الطريق الثالث الذي ادعاه "توني بلير" هو الذي ساعده على حكم بريطانيا عقدا من الزمن. وهو نفس الطريق الذي شقه "آل جور" مع "بل كلنتون" عندما حاولا الموازنة بين سطوة رأس المال الأمريكي وليبرالية حزبهما الأزرق، فانفتحا داخليا على الواقع الأمريكي ونهضا بالاقتصاد وأعادا اختراع مفهوم الحكومة حين أطلقا على المواطن الأمريكي الذي يتلقى الخدمات المحلية والفيدرالية مصطلح "زبون" فاعتبرا الحكومة مؤسسة والمواطنين زبائن، ليرتقيا باقتصاد بلادهما إلى آفاق مرموقة وغير مسبوقة.
فاز " آل جور" مؤخرا بجائزة نوبل للسلام لأنه اختار اللون الأخضر، وهو طريق ثالث جديد. فبعد هزيمته في انتخابات عام 2000، قاد سيارته من مدينة "ناشفيل" بولاية "تنسي" لمسافة خمسين ميلا في طريقه إلى مزرعته، ليخلو إلى نفسه ويتأمل حاله بعد هزيمة قاسية بفارق مئات الأصوات في ولاية فلوريدا. وعلى الطريق نظر في مرآة سيارته وإلى جانبه زوجته فلم ير خلفه سيارات ودراجات حرس نائب الرئيس، فقرر أن يصبح رئيسا للعالم، وهذا ما كان. وعندما عضه الجوع، هبط وزوجته إلى مطعم صغير على قارعة الطريق، فرحب به صاحب المطعم المتواضع وقال: "سيدي نائب الرئيس السابق: كلنا نعرف أنك قطعت طريقا طويلا حتى وصلت إلى هنا، لقد استغرقت رحلتك خمسين عاما، لا خمسين ميلا. فماذا تشرب: "بيبسي" أم "كولا"؟ فرد النائب السابق قائلا: "أشعر بجفاف في حلقي، اعطني ماء".
فاز "جور" بجائزة نوبل لأنه يدافع عن الماء والبيئة والأخضر. وها هي انتخاباتنا النيابية على الأبواب، فما عساها تكون ألوان "نواب بلا أحزاب"؟. مشكلة نوابنا أنهم لن يجدوا سوى الأبيض أي لون "اللبنية" على المناسف المطبوخة بأرز "تايجر"، ولون القهوة السوداء، ولكي يشقوا الطريق الثالث، سيخلطون "الأبيض بالأسود" ليصبح لون مجلسنا رماديا: "لبن – بن – ماء مزفر." وسامحونا، فليس لدينا ماء وبالتالي لا سمك ولا تمر هندي.
smadi@edara.com