هل " ستتغدى إسرائيل يإيران قبل أن تتعشى إيران بإسرائيل " ؟
د. محمد خلف الرقاد
23-08-2012 08:09 PM
في شهر تشرين ثاني من العام المنصرم 2011 كنت قد تناولت هذا الموضوع عبر موقع عمون الإخباري العتيد من خلال مقال بعنوان : " ايران بين الحماس الإسرائيلي والفرملة الأمريكية " ، حيث تعالت أصوات سياسية وإعلامية إسرائيلية وعالمية بالتهديد بتوجيه ضربة إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني ـ الذي يدعي الإيرانيون أنه سلمي فيما تعتبره إسرائيل تهديداً لأمنها ووجودها ـ وذلك في ظل تصعيد متعمد للمناورات والتمارين العسكرية الإيرانية ووسط تلويح وتهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز ، رافق ذلك ردود فعل أمريكية متفاوتة اللهجة بين اللين في الدعوة إلى ضبط النفس وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية وبين الشدة والتشدد في عدم ترك إيران تسرح وتمرح في تطوير برنامجها النووي وتلوح بإغلاق مضيق هرمز الذي سيترك آثاراً اقتصادية سلبية على تجارة النفط الإيرانية والعربية والعالمية أيضا .
وفي خضم هذه الأحداث والمواقف هيمن على إسرائيل قلق متجدد لكنه متزايد في تلك الفترة وسط تصعيد عسكري إيراني وتصريحات سياسية مقلقة ايضاً وردود فعل أمريكية بإرسال حاملات طائرات عسكرية وقطع بحرية عسكرية مختلفة حيث شكل الوضع شكلا من أشكال الحرب النفسية بوسائل وأساليب مختلفة وعكس أزمة سياسية غير معروفة أو متوقعة النهايات خاصة في ظل بيئة سياسية وعسكرية من الممكن أن تدفع بالأزمة إلى حدود المواجهة العسكرية .
وفي هذه الأيام وقبيل الانتخابات الأمريكية التي ستجري بعد عدة أشهر من الآن تكثر الأقاويل التي تعمل وسائل الإعلام على تصعيد حدتها بين الفينة والفينة ، وتتقاطع وجهات النظر الإسرائيلية السياسية والعسكرية بين متحمس لتنفيذ ضربة قوية لتدمير البرنامج النووي الإيراني وبين متردد أو رافض لتنفيذ مثل هذه الضربة .
وفي إطار هذه البيئة الصاخبة بالآراء والأفكار لابد من التأكيد على جملة حقائق بالنسبة لإسرائيل ، فالبرنامج النووي الإيراني يشكل قلقاً بالغ الأهمية بالنسبة للقيادة السياسية الإسرائيلية التي يختلف حماسها على أرض الواقع عن حماس بعض القيادات العسكرية في إسرائيل نفسها ، حيث يصل هذا الحماس في بعض التصريحات السياسية إلى مستويات من عدم ضبط النفس السياسي في الإقدام على اتخاذ مثل هكذا قرار ، وذلك ايماناً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمبدأ مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي يقضي بعدم السماح لأي دولة من دول المنطقة بالحصول على السلاح النووي لتبقى إسرائيل متفردة في هذا المجال ـ رغم عدم اعلانها الاعتراف بامتلاكها للقدرات النووية ـ وقد سبق نتنياهو كل من مناحيم بيغن الذي صادق على خطة ضرب المفاعل النووي العراقي في تموز من عام 1981 ، وايهود أولمرت الذي صادق على خطة ضرب المفاعل النووي السوري في أيلول من عام 2007 رغم معارضة ورفض الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الموافقة على شن الهجوم ( ورغم الغموض الإعلامي الذي ساد ظروف هذا الهجوم ، حيث لم تظهر البيانات بشكل واضح وجود مفاعل نووي سوري ، ولم تعترف إسرائيل بشن مثل هذا الهجوم ) .
وعلى أرض الواقع يتبنى القادة السياسيون الإسرائيليون هذا المبدأ لضمان احتكار إسرائيل اقتناء السلاح النووي ( رغم عدم اعترافها ) ، وذلك بحجة نظرية الأمن الإسرائيلية التي تقوم على ضرورة المحافظة على أمن إسرائيل كي تبقى هي الأقوى في المنطقة ، وأن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها تحت أي ظرف .
ورغم تقاطع الآراء بين القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل حيال توجيه الضربة ، إلا أن التحليلات السياسية تشير إلى حماس القيادة السياسية الإسرائيلية الحالية ـ الذي يفتقر إلى التأييد ـ للإسراع في تنفيذ هكذا ضربة وفي أسرع وقت ممكن ، لكن لم تصل القيادتان إلى الإجماع لاتخاذ قرار خطير كهذا لغاية اللحظة . وما زال تقاطع الآراء قائما وسط حذر وتوجس أمريكي من حيث الموافقة أو المشاركة في مثل هكذا هجوم ، لذا فإن الواقع السياسي والعسكري الاستراتيجي الحالي لابد وأن يفرض على القيادة السياسية الإسرائيلية المتحمسة العودة لمراجعة حساباتها مرات ومرات في ظل ظروف سياسية وعسكرية واجتماعية مختلفة تماما عن السابق ، حيث لم تحصل أية ردة فعل عملياتية عراقية في عام 1981 ، ولا ردة فعل عملياتية سورية في عام 2007 واكتفت وسائل إعلامها في حينه بالقول أنها ستحتفظ بحق الرد.
كما ينبغي أن تفتح القيادة السياسية الإسرائيلية عيونها على الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة في الظروف الحالية والتي تسير باتجاه تقليص الأزمات التي تواجهها أمريكا مثل أفغانستان والعراق ، وان تعكف على تحليل مدى الاستعداد والتوجه الأمريكي نحو توجيه ضربة لإيران سواء أكان بالموافقة أم بالمشاركة أم بالسكوت عما سيحصل ، خاصة وأنها على أبواب انتخابات جديدة ، ومن المعتقد هنا بأن بعض التصريحات التي أدلى بها بعض المرشحين للرئاسة الأمريكية الحالية باتجاه تشجيع إسرائيل والتأكيد على حقها في الدفاع عن نفسها إنما تصب في بوتقة الدعاية الانتخابية ، خاصة إذا ما عرفنا أن بعض المرشحين يتمتعون بصداقات شخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو ، ذلك لأنه بمجرد أن يتمكن هولاء المرشحون من الوصول إلى سدة الرئاسة فإن الحسابات ستختلف حتماً ، لأن مصلحة أمريكا ستكون بالتأكيد أولا رغم الالتزام الأمريكي المتواتر بالمحافظة على أمن إسرائيل .
وهنا يمكن القول في إطار التحليل بأن الحماس الإسرائيلي ـ إذا تم تنفيذه ـ على مبدأ أن " تتغدى إسرائيل بإيران قبل أن تتعشى إيران بإسرائيل " ، فإن الأمر سيقود إلى نتائج على درجات كبيرة من الخطورة ، فتوجيه الضربة لإيران دون علم أو موافقة أو مشاركة أمريكية سيؤثر سلباً على التنسيق والتعاون السياسي والعسكري الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل رغم أن مناحيم بيغن قد وافق على خطة تدمير المفاعل النووي العراقي ( 1981) دون موافقة رونالد ريغان الذي أدان الضربة ، وأيهود أولمرت وافق على مهاجمة المفاعل النووي السوري (2007) رغم معارضة ورفض الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الموافقة على الهجوم الجوي ، كما أن توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني دون موافقة أو مشاركة من الولايات المتحدة ربما يقود إلى توريط أمريكا في حرب هي بغنى عنها وغير راغبة في خوضها ، أضف لذلك فإن إيران قد استفادت من دروس الماضي ووضعت في اعتباراتها السياسية والعسكرية التكتيكية والاستراتيجية حماية وإخفاء منشآتها النووية التي ستشكل أهدافا حيوية ستركز عليها الضربة الإسرائيلية المتوقعة مما سيؤدي إلى فشل الضربة الأمر الذي سينعكس سلباً على سياسات واستراتيجيات القيادة الإسرائيلية وعلى معنويات الاسرائيليين وجيشهم ، وربما لاينتهي الأمر إلى هذا الحد بل قد يتعدى إلى إشعال شرارة الحرب في المنطقة المحيطة بإسرائيل وعندها لايمكن لأحد أن يتكهن بالكيفية التي ستنتهي عليها مثل هذه الحرب ، مثلما لايمكن التكهن بمدى الأضرار التي ستلحق بالبشر والحجر والشجر وبإسرائيل نفسها ، وفي ظل هذه الظروف ستكون الذرائع قوية للتحلل من التزامات السلام بموجب الاتفاقيات المعقودة بين الدول العربية وإسرائيل في ظل تنامي الربيع العربي الذي انطلق منذ سنتين ، مع أنه لايغيب عن ذهن المتابعين أن مثل هذا التحشيد السياسي والإعلامي والتصريحات والتلميحات السياسية بخصوص توجيه الضربة إلى إيران قد يكون إحدى وسائل الضغط على السياسة الأمريكية بغية الحصول على مزيد من الالتزام بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني فيما إذا تمكنت إيران من انجاح برنامجها وبلوغها النادي النووي العالمي ، وفي المقابل ايضاً لا يغيب عن الذهن أن دخول إيران للنادي النووي العالمي سيكون مصدر قلق وتهديد ليس لإسرائيل فقط وانما لدول المنطقة بإسرها وقد يمتد تأثيرة لدول العالم الأخرى ، لذا فإن الحكمة السياسية تقتضي بعد النظر وعمق التفكير في العواقب .
د. محمد خلف الرقاد باحث في العلوم السياسية