قل لي كيف تأكل أصف لك من أنت!
إختص كل شعب بذوق خاص يميزه في الأكل عن غيره من الشعوب و أصبح هذا اللون الغذائي الشهير جزءً من تراثه ، و هو من رزق الله لهم قال تعالى
" يا أيها الناس كلوا من طيبات ما رزقناكم حلالاً طيبا "
لكن السياسيين استغلوا شهرة هذه الوجبات و وظفوها لتصبح مكملةً للبريستيج السياسي الخاص بهم في مهرجاناتهم و مقارهم الانتخابية .فلو قلنا مثلاً في فرنسا يجتمع السياسيون و منهم العرب في أرقى أحياء باريس السياحية
" الشانزلزيه " و يجتمعون على مائدة " تشتابريو " في مطعم " بيتزابينو " و في الولايات المتحدة الأمريكية يجتمع كبار الساسة الحزبيين و الحكوميين في مطعم " ستيك هاوس "
في المدن الرئيسية على مائدة " توب ستيك " و لكن تناول الوجبات السياسية تبدو أكثر وضوحاً في دولتين هما الهند و الأردن .
ففي الهند تستعمل الوجبة الرئيسية في الانتخابات البرلمانية لاختيار أعضاء البرلمان الأم
"Lok sabha" و يتنافس فيها حزب المؤتمر الهندي و حزب الشعب الهندوسي المتطرف و حزب الكونغرس من أصل 42 حزباً ، و يتقدم مئات الملايين من الناخبين ، و لا عجب أن يقدم لكل ناخب هندي هذه الوجبة و هي " الدال مغني " و هي العدس الأحمر مع
" الروتي " شريحة من الخبز ، إذ يتكلف المرشحون بتقديم هذه الوجبة بالإضافة إلى تأمين المواصلات إلى مراكز الاقتراع من قطارات و حافلات و لكن الناحية السلبية هي عند فشل أي مرشح من هذه الأحزاب ينكفئ عن الالتزام بتأمين المواصلات لهذه الأعداد الهائلة ، إذ ترى نصف سكان الهند يسيرون مشياً على الأقدام و لعشرات الكيلومترات .
أما في الأردن فمع تقدم 989 مرشحاً و مرشحة لشغل 110 مقاعد في المجلس النيابي الخامس عشر ، و بجانب المال السياسي المستعمل من قبل بعض المرشحين تبرز " الوجبة السياسية !! " بوضوح في مقرات معظم المرشحين ألا و هي:
" المنسف " ملك السفرة الأردنية ، و تعد " ثقافة المنسف " الحدث الأهم في تنشيط العلاقات الاجتماعية و أصبح سيد الموقف ، ففي الدورة الرابعة عشرة للبرلمان صرح النائب محمود الخرابشة بأن المرشحين قد قضوا على نصف الثروة الحيوانية في الأردن!! ، و في الدورة الحالية أعلن أحد المرشحين نيته تقديم 20 طن من اللحمة البلدية إكراماً للناخبين و قد لوحظ أن تقديم " المنسف السياسي " لم تقتصر على المرشحين الرجال فحسب بل تعدى ذلك إلى المرشحات من النساء اللاتي قمن بتقديم هذه الوجبة في مهرجاناتهن الانتخابية أيضاً و لم تقف هذه المهازل عند هذا الحد .
ففي خطبة الجمعة الماضية في مسجد من مساجد عمان الشرقية قام الخطيب يسرد قصةً واقعية حدثت معه في هذه الأيام فاجأتنا جميعاً و جاء فيها أن بعض المرشحين قاموا بتقديم طرود تحتوي على مواد غذائية إلى الخطيب ليقوم بتوزيعها على الفقراء و المحتاجين من الناس ، و عند فتح الطرود وجد بداخلها إسم المرشح و عنوانه و رقم هاتفه و هي دعوة صريحة لهؤلاء الفقراء لانتخاب هؤلاء المرشحين مقابل هذه الطرود مستغلين ظروفهم المعيشية أبشع استغلال !!!
و تستذكرني حادثتين تاريخيتين حدثتا بين الساسة و الفقراء ذات دلالات سياسية و اجتماعية و من أجل الموعظة:
الأولى : و هي علاقة " ماري أنطوانيت " زوجة لويس السادس عشر " بعبقرية البسكويت " في ذلك الزمن عندما كانت تخطب في فقراء باريس الذين تظاهروا من الجوع و قالت " حين لا تجدون الخبز كلوا بسكويت "
و الثانية :حين قام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتفقد الرعية ، و تقدم إلى خيمة فوجد فيها عجوزاً تقوم على أطفال لها جياع فسألها عن حالها و هل عمر بن الخطاب يعلم بحالها و لم تعرف أنه أمير المؤمنين فتوجهت بالنقد اللاذع لأمير المؤمنين و قالت جملتها الشهيرة " إنه تولى أمرنا و لا يدري بحالنا "
فتوجه بنفسه إلى بيت مال المسلمين و قد ابتلت لحيته بالبكاء و حمل كيساً من الطحين و بعض الغذاء و أصر على المرأة أن تطعم أطفالها و هو جالس حتى يطمئن أنهم شبعوا قبل أن يتركها ، و أمر لها بمعاش.
و يستخلص من هاتين الحادثتين ما يلي :
أن ماري أنطوانيت كانت بعيدة كل البعد عن أحاسيس و مشاعر الفقراء و معاناتهم ، فيما مثل أمير المؤمنين رضي الله عنه ظاهرة القرب كل القرب من أحاسيس و مشاعر الفقراء و معايشة أحوالهم .
على الساسة و المرشحين للبرلمان أن يتقوا الله و لا يفسدوا ضمائر الناس و يشتروا ذممهم و منهم الفقراء باستغلال ظروفهم المعيشية بشكل خاص و الظروف الاجتماعية بشكل عام ، و أن يعتبروا من قصة أمير المؤمنين مع العجوز الفقيرة و أطفالها و أن يتلمسوا أوضاع الناس لأنهم الأدرى بفقراء الشعب ، خصوصاً هذه الأيام سيما و أنهم يقرأون أسماءهم و أسماء أفراد أسرهم واحداً واحداً لا لإحصاء جيوب الفقر في الأحياء و المدن و الأرياف و إنما لتفقد الكشوف الانتخابية و عد الأصوات التي ستدخل صناديق الاقتراع.
DR.ROUD@YAHOO.COM