إمبراطورية شومان بيد الحريريين
23-08-2012 02:04 PM
عمون - تحت عنوان "قطر تفاوض لشراء حصّة في البنك العربي والسيطرة عليه.. إمبراطورية شومان بيد الحريريين" أوردت صحيفة الأخبار اللبنانية تقريراً في عددها الصادر اليوم الخميس جاء فيه:
يقال إن آل الحريري الذين يحملون 21.8% من أسهم «البنك العربي»، عرضوا بيع جزء منها لحكومة قطر. المفاوضات كانت جارية منذ أشهر، وقد أفضت إلى اتفاق يقضي بالسيطرة على المصرف. اطلع عليه عبد الحميد شومان... فاستقال مع زوجته وأولاده وبعض المديرين من المصرف!
… وأُحرج آل شومان فأُخرِجوا من «البنك العربي». هذا المصرف الذي أسّسه عبد الحميد شومان قبل 80 عاماً لم يعد «شومانياً»، بل أصبح «حريرياً». ففي 16 آب استقال عبد الحميد (الابن) من رئاسة مجلس الإدارة، وأضاف إليها استقالة ابنته دينا من عضوية مجلس الإدارة وأمين سر المجلس والمستشار القانوني محمد غيث علي مسمار، واستقالة ابنه عبد المجيد وزوجته منى وعدد من المديرين أيضاً. لم يبقَ في مجلس الإدارة سوى ثلاثية سعودية - قطرية - أردنية يقودها آل الحريري بوصفهم المساهم الأكبر الذي يحمل 21.8% من الأسهم. لعل الركن الفلسطيني هو أبرز العناصر التي أقصيت بنتيجة خروج المؤسسين من آل شومان. كان هذا الركن هو البنية الأساسية، فيما كانت التركيبة الثلاثية (فلسطينية ــ أردنية ــ سعودية) هي البعد السياسي الذي يظلله. دامت هذه التركيبة لعقود إلى أن انهارت في منتصف شهر آب الجاري.
زلزال الاستقالة
أراد شومان الابن أن تكون استقالته مدوية، فكانت بمثابة هزّة أرضية في بورصة الأردن حيث تراجع سعر سهم البنك العربي إلى أدنى مستوى له. ويتوقع أن تكون تداعيات هذه الاستقالة متدحرجة على مدى الأشهر المقبلة، وخصوصاً أن هناك الكثير من الأعمال والودائع العربية لدى المصرف، التي ارتبطت بعائلة شومان مباشرة.
هذه الاستقالة لم تأت من فراغ، بل جاءت بعد زيارات عديدة قام بها شومان الابن لكل من السعودية وقطر قبل نحو شهر. هناك فشلت محاولات شومان في إقناع السعوديين والقطريين بالحدّ من نفوذ آل الحريري ورغبتهم الجامحة في السيطرة على المصرف، على ما يردّد المطلعون. ويعبّر شومان في نصّ استقالته عن هذا الوضع. يلمّح أولاً إلى عدم أهلية المدير التنفيذي للمصرف نعمة صبّاغ، علماً بأن هذا الأخير يمثّل آل الحريري في المصرف منذ مطلع عام 2010، وهو كان يدير لمصلحتهم بنك البحر المتوسط. لكن شومان لا يتردّد في الحديث عن توافق بين مجلس الإدارة وصبّاغ: «تفاجأت وأصبت بخيبة أمل كبيرة حين تبين لي أن الأشخاص المناط بهم حماية مصالح البنك ومسؤولية المحافظة عليه من خلال صلاحيات وسلطات منحت لهم لضمان ازدهاره كانوا هم نفس الأشخاص الذين لم يعيروا هذا الأمر أي اهتمام، حيث لم يقم المدير العام التنفيذي بمناقشة هذه الملاحظات أو بيان وجهة نظره تجاهها، الأمر الذي دعاني إلى دعوة المجلس للاجتماع لتدارس هذه الملاحظات وموقف المدير العام التنفيذي منها. إلا أنني جوبهت برد الفعل ذاته من نائب الرئيس ومجلس الإدارة. وعلى الرغم من أنكم قمتم بأخذ زمام المبادرة وتحملتم مسؤولياتكم بتبيان تلك الملاحظات الهامة، إلا أنني أجد نفسي مضطراً إلى إخباركم أن مديركم العام التنفيذي (نعمة صباغ) ومجلس الإدارة لم يقوموا بتحمل أعباء مسؤولياتهم القانونية بما يحمي ويحقق مصلحة البنك».
للتسريب أهداف
غالبية التفسيرات والتحليلات التي سُرّبت عن استقالة شومان جاءت من مصدر واحد. تحدثت عن خلافات بشأن الصلاحيات بين صبّاغ وشومان، وأن الأخير يتدخل في ما ليس له علاقة به، ثم سُرّب كلام على ضرورة تصحيح الوضع في البنك العربي ووقف كونه مقاطعة يتحكّم فيها آل شومان.
في الواقع، هناك أكثر من رواية للقشة التي قصمت ظهر شومان ودفعت به إلى الاستقالة. أبرز هذه الروايات ما يروّج عن أن صبّاغ كان يضغط على شومان لتمويل مشاريع آل الحريري المتعثرة في العبدلي وسرايا العقبة في الأردن. لكن هذا الخلاف ليس جديراً بالتوقف عنده؛ لأن البنك العربي كان قد سبق له أن موّل مشاريع مضمونة لشركات لديها تاريخ متين في الأردن مثل القصيبي والصانع، غير أنها تحوّلت إلى قروض مشكوك بتحصيلها، فضلاً عن أن المشاريع الحريرية تمولها مصارف لبنانية موجودة في الأردن أيضاً. ومعلوم أن صبّاغ كان يعمل لدى آل الحريري في بنك البحر المتوسط، لكنه يتمتّع بمهنية عالية ربما لا تنسجم مع المسيرة المتزنة والمحافظة التي اتبعها آل شومان طوال عقود، ولكنه خلاف لا يمكن أن يدفع شومان إلى التخلّي عن مصرف ارتبط باسم العائلة طوال 82 سنة.
رغبة السيطرة
إذاً، القصّة أكبر من صبّاغ. الهدف هو السيطرة على البنك العربي. الهادفون هم أصحاب الحصص السعودية والقطرية والأردنية وآل الحريري. المستهدفون هم آل شومان.
وفق روايات ومعلومات متقاطعة، كان الراحل رفيق الحريري يسعى إلى السيطرة على البنك العربي، وعندما اغتيل، استثمر ابنه سعد (قبل أن يصبح رئيساً للحكومة) بقيمة 360 مليون دولار في هذا المصرف لتزيد حصّة مجمل ما تملكه العائلة من أسهم إلى 116492100 سهم.
وإلى جانب ملكية الحريري، هناك ملكية سعودية تبلغ 23997960 سهماً تحملها وزارة المال. وهناك ملكية لحكومة قطر تبلغ 8805660 سهماً. أما الملكية الأردنية فهي تتوزّع على نائب رئيس مجلس الإدارة صبيح المصري الذي يحمل نحو 7 ملايين سهم، والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن 15.5% من الأسهم أو 82770000 سهم.
كان آل شومان يمثّلون التوازن في المصرف رغم صغر حجم ملكيتهم (4.029%)، فهم المؤسّسون الذين لديهم نفوذ كبير بين الموظفين، وفي المقابل هناك الملكيات الأخرى التي تحتاج إلى قرار سياسي لتوحيدها. غير أن حصّة آل شومان كانت في السابق تبلغ 16%، إلى أن اشترى آل الحريري معظمها من أبناء عم رئيس مجلس الإدارة المستقيل عبد الحميد شومان.
ولم يتوقف سعي آل الحريري إلى السيطرة، وخصوصاً مع إصرارهم على تعيين نعمة صبّاغ، علماً بأن الرئيس فؤاد السنيورة كان مرشحاً لهذا المركز قبله. وفي عام 2011، اتخذ الصراع على السيطرة في المصرف بعداً جديداً؛ فقد زادت حصّة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن بنحو 1.122 مليون سهم، ثم بدأ نائب رئيس مجلس الإدارة صبيح المصري يشتري أسهم المصرف من السوق، فتبيّن أن شركة المسيرة الدولية التي يرأسها، وشركة الظافر للاستثمار التي يرأس هيئة المديرين فيها، اشترتا منذ تشرين الأول 2011 وحتى نهاية آذار 2012 نحو 95 ألف سهم.
في المقابل، اشترت مؤسسة عبد الحميد شومان نحو 141 ألف سهم. وحين استقال شومان، انخفض سعر السهم بنسبة 3.3%، فاشترت مؤسسة الضمان الاجتماعي 100 ألف سهم. كانت هذه العمليات مجرّد نموذج صغير عن الحرب الدائرة للاستحواذ على ملكية المصرف. لكن الدور القطري لم يظهر إلا حين قرّرت الحكومة القطرية أن تسيطر، فيما كان آل الحريري، الذين يعانون ضائقة مالية، يعرضون على القطريين شراء أصولهم المالية والعقارية. فهذه العروض كانت بمثابة اللعب على وتر النفور السعودي ــ القطري لزيادة قيمة الأصول المعروضة.
من ضمن هذه الأصول المعروضة، كانت أسهم البنك العربي «الحريرية» معروضة للبيع أيضاً. وقد جرت مفاوضات طويلة حول هذا الموضوع لمدّة أشهر من دون أن يعلم شومان بها. وعندما تبيّن لشومان أن الصفقة باتت شبه جاهزة وأن القطريين يسعون إلى السيطرة على إمبراطورية مصرفية لديها بعد فلسطيني بعيداً عن عائلة آل شومان، استبق استقالته بزيارة للسعودية وقطر، علّه يجد مخرجاً أو اتفاقاً. لكن الإجابة التي تلقاها كانت واضحة: تملّك حصّة صغيرة من الأسهم وستُعامل على هذا الأساس. كان واضحاً لدى شومان أنه لن يكون رئيساً لمجلس الإدارة، بل إن نفوذه في المصرف الذي أسسه جدّه عبد الحميد سيتقلص إلى أن يختفي خلال فترة قصيرة. لا شكّ في أنه رأى نهاية إمبراطوريته في نهاية زيارته!
عمّان «منزعجة»
وفي السياق، أكدت مصادر مصرفية أردنية مسؤولة لــ«الأخبار» أن الحكومة الأردنية لم تشارك في الضغط على آل شومان، بل كان هناك في أوساطها من كان منزعجاً من توقيت استقالة عبد الحميد على وضع البنك في السوق المالي وعلى سلامة الاحتياطيات الأردنية التي هبطت الى ستة مليارات ونصف المليار لا غير، وكذلك على الوضع الائتماني للبلد.
وأضافت أن «محافظ البنك المركزي زياد فريز حاول في بيان مقتضب التأكيد على متانة البنك»، مشيرة إلى أن «مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهي شريك أساسي في البنك، لها سياساتها الاستثمارية المستقلة نسبياً عن القرار الحكومي، وليس بالضرورة أنها ستخضع لاتجاهات العهد الجديد».
وأعرب أحد هذه المصادر عن «قلق شديد من قيام آل الحريري وصبيح المصري بتبادل مصالح والحصول على تسهيلات لتمويل مشاريعهما»، مشدداً على أن «اتجاهاً كهذا يقلق محافظ البنك المركزي الذي يتوقع أن يمارس دوراً رقابياً متشدداً حول السياسات الائتمانية للبنك العربي في إدارته الجديدة».
وتابع أن «آل شومان، على الرغم من صغر حصتهم، كان وجودهم أساسياً لجهتين: أولاً ثقة البنك المركزي والجهاز المصرفي ككل بفيتو آل شومان على تسهيلات خطرة. وثانياً، ثقة المودعين والمتعاملين والسوق المالي، فضلاً عن أنهم محترمون في الأردن بسبب مواقفهم الملتزمة بالمصالح المالية للبلاد».
مصدر مسؤول آخر يؤكد أنه «ليس حاسماً القول بأن البنك أصبح ملكية حريرية، فالرجل القوي الآن هو صبيح المصري، والأمر لا يتعلق بحصصه، بل بالدعم السياسي الذي يلقاه من النظام وعلاقاته وحجم استثماراته.
وإذا كان هناك توافق مرحلي بين المصري وبين الحريري، فذلك مرهون بتسويات لاحقة حول التسهيلات». ويضيف أن «القطريين الذين يسيطرون على ثاني أكبر بنك في الأردن، وهو بنك الإسكان، لا يزال دورهم غامضاً، وليس بالضرورة محسوماً، قبل أن تتوضح العلاقات الثنائية».
ويشدد المصدر نفسه على أن «عمان لن تسمح بأي مسار يقود الى خروج الإدارة المركزية للبنك من الاردن»، مشيراً إلى أن «المصري مضمون من جهة الحكومة الأردنية، ولكن ليس الحريري، وهناك توجس خفي لدى المسؤولين الأردنيين إزاء المسار المستقبلي».