الربيع العربي .. والأفق القاتم
د. اسامة تليلان
22-08-2012 04:27 PM
هل يشكل الربيع العربي محطة محتملة كبرى لتحويل اتجاهات الصراع الرئيسية في المنطقة ..؟
الافتراض من وجهة نظر الشعوب بان مسارات الربيع العربي تقتضي ان تتجه مباشرة دول عديدة في المنطقة من الإستبداد والفساد والديكتاتورية الى أفق من الليبرالية والديمقراطية والتعددية، هو مجرد افتراض مبالغ فيه ضمن افتراضات أخرى حتى وان لم ترد ان تراها الغالبية العظمى من الجماهير العربية.
بالمقابل فان الربيع العربي أيا كانت بواعثه واسبابه والعوامل التي اسهمت في تشكيله يعتبر محطة كبرى ستؤسس لواقع جديد في المنطقة وعلى أكثر من صعيد ومستوى واتجاه سواء كان ذلك ايجابا او سلباً .
الربيع العربي الذي حظي بدعم امريكي وغربي وتهليل اسرائيلي كانت نتيجته الى الان وصول التيارات الاسلامية للسلطة في عدد من دول المنطقة بعد ان سبقت كل ذلك تفاهمات واسعة بين امريكا وهذه التيارات، وكانت قد سبقت ذلك ايضا وعلى مدار عقد كامل محاولة لتغليف المنطقة بأفق ديني واكساب التيارات الدينية شرعية اضافيه في مواجهة نظم الحكم القائمة.
ولنشاهد جيدا ما لا نريد ان نراه، الم يؤد الغزو الدولي للعراق الى تصعيد النزعة الطائفية في العراق والمنطقة لصالح خلق واقع طائفي حاد في العراق يعززه تمدد شيعي ايراني في باطن المنطقة كفيل بان يسخن لتقابل طائفي واسع بين السنة والشيعة وزيادة اسباب الصراع الايراني العربي ، ثم الم تؤد الانسحابات الاحادية لاسرائيل من غزة وجنوب لبنان الى خلق ثنائيات وجيوب عميقة سنية وشيعية، الم تقدم الهجمات البهلوانية الاسرائيلية في غزة وحرب لبنان 2006 مصدرا كبيرا من مصادر تعزيز شرعية وحضور التيارات الدينية في المنطقة، مقابل استمرار اسرائيل في احراج كافة الانظمة العربية المنخرطة بعملية التسوية السلمية عبر حروبها الوهمية مع التيارات الدينية وافراغ العملية السياسية من مضمونها.
ان واحدا من الافتراضات القاتمة التي تحمل وجاهة بالغة المتعلقة بالربيع العربي بعد هذه المقدمات التي سبقته ، هو الافتراض الذي يشير على أن هذا الربيع لا يعبر غربيا واسرائيليا عن رغبة في تمكين الشعوب العربية من استرداد ارادتها في بناء حياة ديمقراطية حتى وان كان الثمن وصول تيارات دينية ترفض السلام مع اسرائيل وانما محطة تحويل كبرى لاتجاهات الصراع في المنطقة، على افتراض انها ترى في التيارات الدينية والتقابل الشيعي السني أحد أهم المصادر الكفيلة بادامة وتغيير اتجاهات الصراع التي قد تتموضع في اتجاهين اساسيين ومتوازيين
الأول: ويتمثل في ان تصعيد التيارات الاسلامية للسلطة سيوفر فرصا كبيرة لزيادة حدة التنافس بين التيارات الدينية السنية السنية على السلطة السياسية، تمهيدا لتقابلها او وربما تصارعها تحت التأثر بثوابتها الدينية، فهذه التيارات في المواقف المبدئية لن تحتكم بصورة اختيارية للديمقراطية وآلياتها بقدر احتكامها للفتوى ومبرراتها.
والثاني يتمثل في أن تغليف افق المنطقة بافق ديني مصحوب بالقلق من زيادة التمدد الايراني في المنطقة وتغلغله عبر بوابة العراق ولبنان وغيرها من البوابات الاخرى بالاضافة الى ما بات يطرحه الملف النووي من سبب ضاغط الى دفع المنطقة للدخول في صراع طويل الامد مع ايران مع ما يحتاجه هذا الصراع من بقاء مناطق عربية متماسكة لحمل اعباء الصراع الايراني.
ان واحدا من المشاهد القاتمة بعد هذه المرحلة من الربيع العربي يرى ان المنطقة مقبلة على صراع قد يأخذ شكلا دينيا او طائفيا يعزز من ذلك شعور التيارات الاسلامية بان قوتها كانت سبب وصولها للسلطة السياسية تحت شعورها بان قوتها هي من دفع امريكا وغيرها للتعامل معها ومن ثم فانها ترى ان وصولها للسلطة كان استحقاقا وليس تفاهما.
بالمحصلة فان مركزية الصراع العربي الاسرائيلي في بوصلة اتجاهات الصراع بدأت تتوارى امام اتجاهات جديدة للصراع اخذت بالتشكل السريع، وان ضربة اسرائيلية محدودة باي اتجاه كفيلة بان تجعل هذا التشكل واقعا قبل آوانه، وانه ربما لا مجال لتفادي مثل هذا الصراع مؤقتا الا بقيام صراع خارجي .