"البقعة" في العيد تقاسمها الجهاديون والاخوان والوهابيون
22-08-2012 06:02 AM
"صلاة الفطر" تكشف عن الصراعات الدينية والسياسية في المخيمات
اختلفوا على كل شيء وتوافقوا على الجهاد في سوريا والاحزاب العلمانية تختفي من الساحة
حزب يشتري عضوية الناس بالمال وحركة نشطة لمقاطعة الانتخابات النيابية
بدت صلاة عيد الفطر صبيحة الأحد الماضي في مخيم البقعة الأكبر والأوسع والأكثر سكانا من بين جميع مخيمات اللجوء الفلسطيني خارج فلسطين" مدعاة لإثارة التساؤلات عن حجم الخلاف "الديني الأخروي" في مواجهة "الديني الدنيوي"، والسياسي العلماني في مواجهة "السياسي الديني"، وبين الصراع المحتدم تحت عباءة "الرسمي" في "توظيف "الديني السياسي" في بيئة اجتماعية لم تتعود يوما العيش خارج "عباءة السياسي".
في صلاة العيد تنازع "الديني السياسي" على تمثيل "الإسلام السلفي" في مواجهة "الإسلام الرسمي"، وبدت مصليات العيد الثلاثة التي اقامتها ثلاثة اتجاهات دينية كافية تماما لاستشراف خارطة الصراع الجديد الذي تتناوب عليه ثلاثة تيارات دينية سياسية، حرصت تماما على إبقاء"الديني الشعبي" خارج حساباتها تماما، بينما وجد "الديني الرسمي" مكانته في احد المصليات المساجد".
والقصة في الصراع المحتدم بين التيارات الثلاثة الذي وصل تماما إلى حد تكفير كل منهم للآخر لم تولد الآن في مخيم مثل مخيم البقعة، او مخيمات أخرى عديدة من بين 13 مخيما للاجئين الفلسطينيين في الاردن تعيش حالة مقاربة تماما لحالة المخيم الأكبر، بل تعود لسنوات قليلة مضت عندما انقسمت "سلفية الألباني" إلى شيع ودكاكين في مواجهة الإخوان المسلمين، قبل ان تطفو على السطح مجموعة ما يسمى بالسلفية الجهادية التي ترى كل تناقضها مع سلفية انبعاثات سلفية الألباني المختلفة، ومع جماعة الإخوان المسلمين.
واللافت انها المرة الأولى التي يبرز فيها التمثيل الديني في مناسبة دينية مثل صلاة عيد الفطر بكل هذا الصراع وهذا الانقسام وهذا الخلاف بين ثلاثة تيارات دينية سياسية ترى انها الأكثر قدرة على وراثة كامل تعاليم الإسلام منذ ان كان دعوة سرية في مكة، وحتى لحظة الصراع على السلطة الدينية في الدولة العثمانية باعتبارها ـ لدى احد هذه التيارات السياسية ــ نهاية الخلافة الإسلامية.
وفوجئ المصلون في المخيم بأن ثلاثة مصليات مختلفة وفي اماكن جغرافية مختلفة اقيمت دفعة واحدة داخل المخيم يمثل كل منها تيارا دينيا، احتار المصلون اين يذهبون، ليفترق الناس في النهاية على اربعة مصليات كان رابعها المساجد نفسها، بينما اقامت جماعة الاخوان المسلمين مصلى خاصا بها، واقام ما يسمى بـ"السلفية الجهادية" مصلى ثانيا لها، واقام السلفيون الحكوميون "الوهابيون" مصلى ثالثا.
والقصة ايضا ليست في تعدد المصليات للتعبير عن اللون السياسي من خلال شعائر صلاة العيد، فقد قال احد ممثلي السلفية الجهادية لـ "العرب اليوم" انهم "اقاموا مصلاهم للمرة الأولى في المخيم للتأكيد على حضورهم الواسع داخله اولا، ولايصال رسالة للدولة وللناس معا بأنهم اصبحوا قوة يمكنهم التظاهر بها امام الناس والحكومة معا في مثل تلك المناسبه".
ولم تتوقف الأجواء الاحتفالية بالعيد في مصلى "السلفية الجهادية" عند حدود الشعائر الدينية، فقد ذهبوا الى بناء سرداق واسع فرشوه بالسجاد، وقسموه الى نصفين للنساء والرجال، وقدموا الحلويات والمياه المعلبة للمصلين، واستخدموا مكبرات الصوت، في حين كانت عيون الدولة نفسها ترصد هذا الحدث الأبرز الذي فشلت في منعه تماما، في الوقت الذي كان خطيب صلاتهم يشن هجومه على الدولة والحكومة معا.
وفي مصلى "الإخوان المسلمين" بدت الأمور الاحتفالية تسير في سياقها التقليدي الذي درجت الجماعة عليه في مثل هذه المناسبة بالذات، فقد اقيم مصلاهم في مساحة فارغة، وبدت خطبة صلاتهم في سياقها الطبيعي التي لم تخل من اشارات سياسية.
والمصلى الثالث اقامته السلفية التقليدية الوهابية والتي تحظى تاريخيا برعاية حكومية لها، ولخطبائها وممثليها في ساحة مدرسة "حطين الثانوية للبنين" التي لا تبعد غير 50 مترا فقط عن اكبر مساجد المخيم وهو مسجد الإمام علي، الذي كان يشهد مثل باقي المساجد الأخرى اقامة شعائر صلاة العيد دون النظر الى ما يتضمنه الخلاف الديني والسياسي بين ممثلي التيارات الدينية الثلاثة في مصلياتهم المتنافره داخل المخيم.
ولعل ابرز ما شهدته هذه المصليات الثلاثة هو رفع اكف الدعاء الى الله تعالى بـ "تدمير النظام السوري، واخذه اخذ عزيز مقتدر، وان ينصر الله الجيش الحر، وان يعجل الله بالنصر على نظام البعث الكافر، والنظام الأسدي القاتل، على حد قول الخطباء الثلاثة، بينما مر الخطباء مرورا سريعا على القضية الفلسطينية وما يعانيه الأشقاء الفلسطينيون من احتلال.
هذه الصورة بدت وكأنها مفتاح لخارطة "الديني السياسي" في المخيمات هذا الأوان، فقد اختلطت الأوراق تماما بين من يرغب بتمثيل للاسلام يقوم على مبدأ "الولاء والبراء" الذي تمثله "السلفية الجهادية"، وبين من يتبنى" الديني والدنيوي" الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، وبين من يرى "الولاء للدولة افضل من الانقلاب عليها" ويمثله السلفيون الحكوميون من اتباع الوهابية والذين يحظون برعاية حكومية استثنائية، وصلت الى حد اصدار الفتاوى بتجريم كل من يتظاهر او يعتصم من المواطنين ضد الحكومة والدولة.
واللافت في المصليات الثلاثة أيضا أن أصحابها من الجماعات الدينية التي تتبنى مواقف مناهضة تماما للنظام السوري، بل ان السلفية الجهادية وفي مخيم البقعه أعلنت فتح باب الجهاد إلى سورية وقام بعضهم بالالتحاق فعلا بصفوف المتمردين السوريين لـ "الجهاد في سبيل الله" ضد النظام السوري "الكافر"، في حين تنخرط جماعة الإخوان المسلمين تماما في شراكة اممية في الحرب على النظام السوري، بينما يتولى خطباء السلفية الوهابية في المساجد دور التحريض على النظام السوري والدعاء الى الله "بانزال اشد العقوبات بالأسد وإزالته وتدميره كما فعل مع نظام صدام حسين في العراق".
هذه هي الصورة التي تبدو فلسطين تماما بعيدة عنها بالرغم من ان الحاجات الدينية والسياسية والاجتماعية في بيئة المخيمات لا تزال اشد تمسكا بالقضية الفلسطينية إلا ان ما يجري في ساحات المخيمات الآن يشير بوضوح الى ان القضية الفلسطينية بدت بعيدة تماما في الخطاب الديني السياسي، والديني الشعائري، لمصلحة تجييش الناس للوقوف خلف التمرد السوري باعتباره الحل الإلهي الأهم والأبرز دينيا وعقائديا وشعائريا، وهو ما تتكاتف حوله خطابات التيارات الدينية الثلاثة التي تكفر بعضها بعضا ، وتتهم بعضها بعضا، إلا أنها تتفق تماما على ان باب الجهاد المفتوح إلى سورية هو الأولوية الأكثر حضورا هذا الأوان في حركتها الشعبية ، وفي خطابها السياسي.
وهذه الصورة تستعيد تماما ما كانت عليه الحالة إبان التأذين الأمريكي السعودي المصري للجهاد في افغانستان لمواجهة الاحتلال السوفييتي"الكافر والملحد" مطلع عام 1980، فقد فتحت الحكومات آنذاك المساجد على مصراعيها لتحشيد الشباب للالتحاق بساحات الجهاد في كابول وتورا بورا، إلا أن الوعي الشبابي الأردني آنذاك لم ينخرط تماما في هذه الدعوة التي تم تسويقها على شباب دول اخرى انخرطوا فيها بالالاف على مدى سنوات الجهاد الأفغاني"1980- 1989".
ما يجري في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن "البقعة نموذجا" هو حالة توجب التوقف عندها للتحليل والتفسير، وليس للتأويل، فالمواطنون في المخيمات بدت تتنازعهم خطابات دينية سياسية متنافرة ومتصارعة من شأنها ان تؤدي الى نتائج ومعطيات خطيرة للغاية، خاصة في ظل الضعف التام للحضور السياسي للأحزاب والفصائل السياسية العلمانية والقومية.
ففي مخيم مثل البقعة لم تعد هناك اية ظواهر للفصائل الفلسطينية التي كانت تفرض نفسها وخطابها على الشارع السياسي في المخيمات على نحو حركة فتح، او فصائل الجبهة الشعبية او الجبهة الديمقراطية، ولاحقا جماعة المنشقين عن فتح بعد حرب المخيمات "جماعة فتح الانتفاضه"، فضلا عن ضعف التأثير السياسي لحزبين يعملان في مخيم البقعه هما حزب حشد والوحده الشعبية فلا يزال تأثيرهما غير مشهود تماما، وتمثل مقرات الحزبين مجرد عناوين فقط على وجودهما داخل المخيم.
وينشط حزب جديد في المخيم يعتمد على استمالة الناس بالمال السياسي، ويجد له ناشطون يعملون بمكافات مالية ضخمه، وقام الحزب في شهر رمضان بتنظيم حفلات افطار متعددة للأعضاء الجدد وسط وعود بتحسين اوضاعهم المالية والوظيفية وغيرها من الوعود التي تبدو وكأنها تستهدف بناء ارضية شعبية استعدادا للانتخابات النيابية المقبله التي لا تحظى حتى الان باي اهتمام من ابناء المخيم.
ووسط هذه الأجواء السياسية في المخيمات، وتحديدا في مخيم البقعه، فقد بدا ما يسمى بـ"الحراك الشعبي" مستقيلا تماما من كل ما كان يطالب به سابقا ابان فورة الحراكات الشعبية المطالبة بالاصلاح السياسي، وقد شهد المخيم انقساما بين اكثر من حراك شعبي، فبين حراك يطالب بتحسين الخدمات المحلية للمخيم، الى حراك اخر يطالب باصلاحات سياسية محدوده، الى حراك اوسع قليلا قام ببناء شراكة سياسية واسعة مع حراكات شعبية في محافظات اخرى على نحو المؤاخاة بين حراك الطفيلة وهذا الحراك في البقعه، والذي تمخض عن بناء شراكة بين الجانبين قام خلالها اعضاء حراك البقعه بمشاركة واسعة في نشاطات حراكات الطفيلة، كما قام ممثلون عن حراك الطفيله بالمشاركة في نشاطات مماثلة لحراك البقعه الى جانب استمرار سلسلة من الاجتماعات التنسيقية بينهما.
ولا تبدو حالة "السياسي" في المخيمات الآن بالحالة الصحية، فقد ولدت في مخيم حطين حركة جديدة لحق العوده للاجئين الفلسطينيين بدت على خلاف ممتد مع اللجنة الأم المنبثقة عن احزاب المعارضة وهي لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة.
ومن المؤكد ان ثمة خلافات اوسع بين اللجنتين، خاصة بعد انكشاف امر تنسيق اللجنة الجديدة في مخيم حطين مع حركة اوسع تصرف عليها جامعة اوكسفورد في بريطانيا تحت شعار "سجل أنا فلسطيني" تستهدف حث اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات على تسجيل اسمائهم في سجلات الناخبين للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وهو ما تم استثناء الاردن من المشاركة فيه.
ولعل آخر ما تشهده المخيمات من تفاصيل الصراعات السياسية والخلافية ما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبله، ولم يكن اجتماع رؤساء لجان تحسين لجان خدمات المخيمات في مخيم الحسين في شهر حزيران الماضي واعلانهم عن المشاركة بالانتخابات باسم ابناء المخيمات الا شعلة رفعت من وتيرة حرارة الأجواء داخل التجمعات الشبابية والسياسية في المخيمات الذين رأوا انه ليس من حق رؤساء اللجان التفكير والتقرير عن الناس في الوقت الذي تجري فيه عمليات تحشيد واسعة النطاق تستهدف مقاطعة الانتخابات لأسباب ودواعي شتى يتعلق بعضها بقانون الانتخاب الذي اصر على إضعاف تمثيل المخيمات في المجلس، واحتجاجا على اداء نواب ينتسبون اصلا الى المخيمات في المجلس الحالي.
هذه الصورة البانورامية لخارطة السياسي في المخيمات تكشف تماما عن حجم سياسة "ملء الفراغ" التي تعمل على تطبيقها تيارات دينية متطرفة او رسمية، او احزاب ضعيفة ومهمشة او فصائل تاريخية فقدت حضورها تماما، او احزاب ترى ان المال السياسي قد يعوضها عن ضعفها الجماهيري، او خلافات أخرى اكثر شعبية تتعلق بالحراكات السياسية الإصلاحية، وغيرها من القضايا الأخرى التي تحتاج الى محطات اوسع لقراءتها كل على حدة.
العرب اليوم / وليد حسني.