فيصل تايه
أعظم شعراء العرب .. نادر زمانه .. وأعجوبة عصره أبو الطيب المتنبي عاش في عهد بعيد قليلاً ...عهد البساطة والبدائية والوضوح .. إذ كانت العلاقات فيه بين الأفراد والجماعات أكثر صدقا ودفئا .. وكانت المعاملات أقل تعقيدا وأكثر سماحة مما نحن علية اليوم.. وفي ذلك فان المرء يتساءل : يا ترى ماذا كانت عليه أحوال الأمة من التذمر واليأس في ذلك العهد البسيط والواضح من السوء الذي كانت عليه الدولة الإسلامية أواخر عهد العباسيين .. حتى يتساءل شاعر له تاريخه الشعري العريق عند قدوم عيد المحبة والفرح والتواصل حين يقول :
(بأي حال عدت يا عيد ؟ هل بما مضى أم بأمر فيه تجديد؟ )
قالها المتنبي يوم العيد كمرتزق يريد من غلام صار حاكماً أن يمن عليه بمجد .. وحين أحس بطول ذنبه قال ما قاله في قصيدته المشهورة تلك .. ونحن نردد أبياتها كل عيد وكأننا تحت قدمي كافور الإخشيدي شديد اللؤم وعسله الأسود .. !!
أو ربما أن التجربة كانت هنا شخصية .. أو بمعنى فردية والحال خاص جدا .. وربما كان الخطب جلل والأمر عصيب .. يتعلق بحال أمة .. خاصة وان المتنبي شاعر له ثقله الثقافي والاجتماعي والسياسي وله رؤيته وتحليلاته .. وبالتأكيد فطنته وذكائه ..
فهو من قـــــال :
أغاية الدين تحفّوا شواربكم يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم؟
وهو القــــــائل :
كلما انبت الزمان قناة ركّب المرء في القناة سنانا
إن المرء ليقف عند هذه الأبيات الشعرية القوية .. التي أراد بها شاعرنا المخضرم معنى مبطنا .. ذلك أن الأمر عصيب يتعلق بحال أمة .. وهنا دعونا نتساءل : ماذا سيقول المتنبي لو كان قد ظهر وعايش واقعنا ورأى ما به من أنين .. أنيناً يحاكي ضمير الأمة .. يتجه نحو اختراق النفس البشرية ليرسم عالما جديداً لا يعترف بحق المستضعفين في الأرض .. ماذا سيقول وهو يرى ما يسمى بالربيع العربي الذي سيأتي بعده الصيف العربي ومن ثم الخريف العربي .. ماذا سيقول وهو يرصد البلطجية والفتوة والشبيحة والزعران .. وغيرها من المسميات لمرتزقة الأنظمة القمعية الذين جندوا للقيام بأعمال الترهيب الهمجية للحفاظ على كراسي عروشها.. ماذا سيقول وهو يشاهد الفضائيات وهي تحمل على شاشاتها صور لأعتى اساليب الذبح والقتل والإجرام بأدوات لأنظمة باتت مهترئة ..ماذا سيقول وهو يسمع نداءات الثكالى وأمهات الرجال في ديار العرب ؟ نعم ماذا سيقول ..؟ وهو يرى الأرض غير الأرض والإنسان غير الإنسان .. سيهجو من ويمدح من ....
سيقول أبياتا تخاطب العقل .. لان هذا من تخصصه ومنطقه .. ولن يقول أبياتا تخاطب العاطفة .. وسيطلب من الإنسان أن يستقبل الأعياد بكثير من الفعل الطيب وقليل من كلام الزيف والخداع .. وسيحث على التجديد لا الجديد .. وهنا مربط الفرس ..
لكني أعود لاقول لصاحبنا .. الذي عرفته الخيل والليل والبيداء والسيف والرمح والقرطاس .. والقلم .. زمانك ليس زماننا يا فارس الفرسان ..
فاحباطاتنا ما زالت تسكننا .. وجراحاتنا ما زالت تكسرنا .. وتلاقينا يفرقنا .. غارقون في الفوضى. لا أدري أنفرح لحلول العيد أم نحزن لاستمرار تفرقنا وضياع مجدنا .. وإباءنا ..فيا ترى إلى متى هذا الانقياد والخضوع لمن نصبوا أنفسهم سادةً للعالم وهل سيطيل هذا … فنحن من كل مكان محاصرون بفكر مستورد مسموم .. نسينا أننا أمة عصية على الزوال .. جذورنا ممتده في زمن الحضارة قروناً .. وفي عروقنا تنبض دماء قوافل الفاتحين والمفكرين والعلماء والمخترعين والشعراء العظام الذين أسسوا لممالك وإمبراطوريات من المجد والحكم والعلم والقصائد والأمنيات. فأين مجدنا الذي يذكرنا بالقعقاع وعمرو بن العاص والمعتصم .. ؟
اعذروني سادتي .. فما قصدت أن أفسد على المعيدين فرحتهم وأفسد شهيتهم عن افطار العيد الشهي وأقلب بهجتهم حزنا وأسى .. فقط لأذكرهم بظروف قاسية فرضت على إخوة لهم .. نتعاطف معهم فما ذنبهم إلا أنهم في ديارهم يصارعون واقعهم الأليم بالصمود … لم تكن من اختيارهم ولا كانوا سببا فيها…. بل نقول للجميع.. وبلا استثناء : عسى كل أيامكم أعيادا : وكل عام وأنتم بألف خير..
راجيا منه عز وجل أن يعيد علينا هذا العيد وقد تحققت أحلام الأمة في الربيع اليعربي المنشود..فان الشعوب المؤمنة بحقها في الحياة والحرية والاستقلال لن تهزم مهما طال ليل الظلم ومهما استبد الظالمون..
أعلّل النفس بالآمال ارقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
.... ودمتم بخير....
مع تحياتي