لا اله إلا الله..قالها أبو محمود وأسلم الروح لباريها..تاركا زوجته وأبناءه واصدقاءه ومحبيه الكثر للوعة الفراق.
لم يكن متوقعا غياب رجل مثل رياض الشعيبي بغير الطريقة التي اعتمدها للرحيل. فجرا رحل، وبالتأكيد قبل أن يركن إلى فراشه..ولكن بالتأكيد بعد أن قام بواجباته التي حرص دوما على أن يكلف بها نفسه اتجاه الأصدقاء.قرر رياض الشعيبي أن لا يفارق الحياة الدنيا، إلا بعد أن اطمأن على صديقه، وصديقنا عبدالله العتوم في مشفاه (شفاه الله)، حيث زاره في وقت متأخر من آخر لياليه، ودلف إلى بيته بعد منتصف الليل سعيدا بحب الناس..مثقلا بجهد بذله فاق عشقه للمكابرة.
قبل أيام من رحيله تفقدني، منتقلا من مكتب صديقنا المشترك محمد أبو رمان إلى مكتبي المجاور. جاء ليبلغني أنه قرر أخيرا اصدار صحيفة اسبوعية، لطالما أشغل نفسه واصدقاءه باعتزامه اصدارها. لكنه كان يريدها في أحسن حلة وتقويم. وهذا ما أجل اصدارها عدة مرات رغم حصوله على الترخيص.
قال لي في زيارته الأخيرة، وكأنه يعقب على تعجلي اياه في اوقات سابقة ضرورة البدء في الصدور: شاكر قررت أن اصدر صحيفة اسبوعية، وصمت منتظرا سماع ردة فعلي. فباركت له مقدما، مستشعرا أنه عازم أن يفعلها هذه المرة. وأضاف مستشعرا تجاوبي..سأمر عليك السبت لنتحدث في التفاصيل، لكنه لم يفعل لسبب لا اعرفه.
كان رحمه الله، وهو الأستاذ الكبير، الذي أسس اذاعة دبي، وتلفزيون دبي الملون، وصحيفة "البيان" وأصدر اسبوعية Days 8 باللغة الإنجليزية من لندن، يدرك اهمية التشاور مع اصدقائه من المهنيين. يستمع من الجميع، باحثا عما يمكن أن يضيفه إلى ما لديه من افكار، ثم هو حين يشكل قناعته النهائية والأخيرة يتمسك بها ويدافع عنها بكل قوة، وحجة منسجمة مع نفسها، حتى حين تختلف مع رؤى الآخرين. وكانت لأبي محمود طريقته الخاصة التي عرفها اصدقاءه في استخراج الأفكار من الآخرين..كان يتفنن في طرح الأفكار الخلافية، بهدف استدراج واستخراج الأفكار الخلاقة من اجواف محاوريه.
وكان رحمه الله عاشقا للعلاقات الجدلية..يقبل على اصحاب الرأي الآخر باحثا عن التكامل، وكأنه فيلسوف..وبالفعل فقد كانت لأبي محمود فلسفته في الحياة. وكان أكثر ما يسعده هو سماع الرأي الآخر، كي يحاوره وصولا للقاسم المشترك مع هذا الصديق أو ذاك..وكانت أم محمود أعز الأصدقاء عنده..يكن لها ما تستحقه من بالغ الإحترام والتقدير، مقرا لها بحضورها وبغيابها بأنها صاحبة فضل عليه لا ينسى..أليست هي رفيقة الدرب الذي تدرج فيه حتى حقق القسم الأكبر من طموحاته..؟!
رحمك الله يا أبا محمود..سيظل اصدقاءك يفتقدونك، كما كنت تتفقدهم بكل حميمية..وأنت تهجم عليهم بمحبة بادية، بطلتك المرحة المحببة، أو عبر مكالمة هاتفية تبدأ في أغلب الأحيان بتحية غير معهودة، ينقلها صوت جهوري صقلته تجلابته في ذذذإذاعة بي بي سي: "إيش يا شاكر..؟".
سامحك الله..فعلتها بغتة يا أبا محمود..!