جاء العيد، فكل عام والجميع بألف خير وبركة، جاء العيد يحمل أوجاع أمة ثكلى بحروب ومؤامرات لا تنتهي، وأوطان تقسم كما كعكة عيد الميلاد، ويتاجر بشعوبها في كل مكان.
جاء العيد، والأقصى على حاله منذ 45 عاما، أسيرا، والحرم الإبراهيمي ساخطا، وفي النفس أثر مجزرة صباحية لا ينساها حتى الآن، وإنْ تناساها بعض المتأسلمين، وكنيسة المهد حزينة لا تستطيع مشاطرة المسلمين أفراحهم بفطرهم، فالاحتلال يقسم ويبعد ويصادر، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في غياهب النوم والسبات لا تستفيق إلا عندما يراد لها ذلك، أو عندما يطلب منها إصدار قرار ضد هذا البلد أو ذاك.
جاء العيد عاديا على الشعب الفلسطيني الذي "نفض" يده من مَد عروبي إسلامي لتحرير الأقصى، وتعب من انتظار إتمام الدين باعتبار أن احتلال أي شبر من أرض المسلمين يصبح الجهاد "فرض عين" على المسلمين أجمعين، ولكن هيهات هيهات، جاء ودمعة الأقصى حائرة، وكنيسة القيامة تنتظر لتعانق فيه أبناءها مسلمين ومسيحيين، بدون بنادق صهيونية.
بأية حال عدت يا عيد، والبلاد ليست هي البلاد، والهواء تغير علينا، فالسودان قطعت، واليمن تاهت، والبحرين والخليج مشغولة باعتصامات، وليبيا ما تزال تتلاطم في بحر ما بعد "القائد الملهم الهمام!"، تنتظر شمسا جديدة، وأفقا لاح لعل وعسى يضيء لاحقا.
أما العراق فما يزال منذ عشرات السنين على حاله، القتل فيه على الهوية، والقادة تائهون بين هذا المعسكر وذاك، والدول تعيث فسادا فيه.
وفي سورية حدث ولا حرج، آه سورية ماذا حصل لكِ، آه دمشق ماذا يجري في حاراتك، وياسمينك الشامي المعبق بالعطور، ماذا يجري في حلب الشهباء، حلب سيف الدولة، وفي حمص مرقد ابن الوليد.
آه سورية وكفى، كفى تمزيقا للأوطان، كفى قتلا بالمجان، كفى عبثا، كفى تجارة بالدم السوري من دول لا تعرف من الحرية والعدالة والديمقراطية والشفافية والنزاهة والمواطنة إلا عدد حروفها، آه يا شام، وسلمتِ وطنا يأبى القسمة والتقسيم، ويأبي نداءات الفتنة.
وفي القرب منا لبنان حيث الكثير من الحرية، القليل من الديمقراطية، لبنان المجروح منذ عشرات السنين، لبنان خط النار والمواجهة مع المُغتصبة إسرائيل، لبنان لعبة الأمم، ونظرة الغرب للشرق، لبنان المقاومة والسلام، لبنان الشجاعة والانتصار.
وفي طريقنا ونحن نعد مآسينا، لا ننسى موريتانيا، وتونس، والمغرب، والصومال المجروح الجريح، وعرج على الجزائر بلد المليون شهيد.. وبعد كل ذاك "بأية حال عدت يا عيد".
أما داخليا، فالمواطن مكوي بأسعار لا ترحم، ورسوم مدارس تشعل الجيوب، وفواتير كهرباء وماء وصل لهيبها كل شرائح المجتمع.
بأية حال عدت يا عيد، والأسعار باتت لا تطاق، والأطفال ينتظرون، والتجار جشعون، والمدارس على الأبواب، ورمضان أكل جيب المواطن حتى أصبح يصيح من الدين والديون.
بأية حال عدت، وكيلو الليمون وصل لدينارين، وناهز كيلو البندورة الدينار، وكذا الخيار، بأية حال عدت، وتكلفة صحن السلطة وصل إلى 5 دنانير.. ويا بلاش.
بأية حال عدت، والإصلاح يراوح مكانه، وما نزال في إطار الصوت الواحد، والانتخابات بين مقاطع ومشارك، وقانون الانتخاب مشكلة المشاكل، وعقدة العقد منذ ما يقرب من عشرين عاما، فـ"بأية حال عدت".
بأية حال عدت يا عيد، والحال ليست هي الحال، وبلاد العرب والمسلمين ليست كما كانت قبل عام أو اثنين، والأقصى يئن في الأسر، والأوطان تقسم بقرارات غربية وتأييد عربي.
بأية حال عدت، بعد أن أصبحت المقاومة تسب وتشتم، وبات من يعتبر إسرائيل عدوا محتلا متهما بالرجعية والانتهازية. بأية حال عدت، وقد تغير الحال.
رغم كل ذلك.....
كل عام وانتم بخير وبركة وصحة وسلامة.... وأردننا بألف خير وعافية وأقوى من ذي قبل.
Jihad.mansi@alghad.jo
الغد