تحتاج قراءة البيان الذي وقع عليه (في حال لم تكن هنالك تواقيع مزورة!) ألف شخص في الأردن وتحت عنوان “ليس باسمنا” طقوس خاصة أهمها أن لا تكون صائما وإلا بكل صيامك بسبب ارتفاع ضغط الدم والتوتر والذي سينجم عنه الحاجة إلى تناول أدوية مهدئة حتى تستطيع أن تستوعب أن هنالك اشخاصا يستطيعون التفكير بهذه الطريقة البائسة.
الأسماء الواردة في البيان تتضمن مئات من غير المعروفين على صعيد النشاط العام، وربما مئة شخص مارسوا نشاطا سياسيا وعشرات الإعلاميين ومنهم مجموعة من دعاة الفتنة الدينية والعرقية والسياسية المعروفين، مضافا إليهم عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من شخصيات سياسية وفكرية تحظى بنوع من الاحترام، مع أن هذا الاحترام بالنسبة لي انتهى منذ قراءة البيان. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يكتب فيها هؤلاء بيانات داعمة للنظام السوري ومسيئة لثورة الشعب وتتضمن اتهامات مضحكة بوجود مؤامرة كونية، ولكنها المرة الأولى التي يتم فيها التمادي على مصداقية الدور الأردني تجاه الوضع الإنساني في سوريا وكذلك الإهانة والإساءة للأخوة اللاجئين من سوريا.
من يقرأ البيان يعتقد بأن الاردن هو الذي يقصف المدن السورية بالطائرات والمدافع ويقتل اللاجئين الهاربين من جحيم العنف في سوريا. يقول البيان “أصبح النظام الأردني متورّطا بصورة علنية في العدوان الغربي الأميركي التركي الخليجي ضد الجمهورية العربية السورية”. لاحظوا اللغة المستخدمة والتي تصف الدولة الأردنية التي تمارس كل الأخلاقيات العربية المعروفة في مساندة اللاجئين السوريين بكلمة “النظام” بينما فيما يتعلق بالنظام السوري قام موقعو البيان باختصار الدولة السورية بالنظام متخيلين وجود “عدوان وهمي أميركي تركي خليجي” بينما العدوان الحقيقي البشع هو الذي تمارسه قوات النظام السوري وشبيحته القتلة ضد الشعب السوري الشقيق وهو الأمر الذي يصفه البيان “التمرد المسلح”.
ويمضي البيان ليسيئ إلى الجيش الأردني قائلا “إن أولئك الذين يريدون إرسال شبابنا من جنود الجيش العربي الأردني إلى مواجهة دموية مع أشقائهم في الجيش العربي السوري لخدمة الأهداف الاستعمارية في سورية، يفتقرون إلى الحد الأدنى من الضمير القومي والوطني”. اي عاقل يمكن أن يكتب كلاما كهذا وهو يدرك بأن الجيش السوري هو الذي يقوم بالاعتداء على اللاجئين السوريين وإطلاق النار عليهم داخل الأراضي الأردنية وبالتالي يعتدي على الحدود الأردنية بينما جيشنا هو الذي يمارس ضبط النفس مع التزامه الوطني بحماية الأردن والتزامه الإنساني بحماية اللاجئين.
ولكن أسوأ ما في البيان هو إهانة اللاجئين السوريين الذين يهربون من جحيم القتل في بلادهم وقد تركوا وراءهم بيوتهم وأهاليهم وكافة مقدراتهم لعيشوا في ظروف صعبة وفي مستقبل مجهول، حيث يقول البيان بدون اية مراعاة لا لضمير ولا لأخلاق ما يلي:” ظاهرة اللجوء لا تنطبق على 80 بالمائة منها شروط اللجوء، وإنما هي فبركة تستغل حاجة الفقراء السوريين إلى تحسين ظروفهم المعيشية وبحثهم عن بعض الأمان”. أعتقد بأن هذا التحريض وهذه الإهانة وهذه اللامبالاة تجاه المعاناة الإنسانية لم نقرأ مثلها في كافة تاريخ اللجوء السياسي والحروب في العالم وهي غير مستندة لا على معلومات ولا بيانات وتشكل إهانة حقيقية لشعب سوري كريم وجد نفسه في مواجهة نظام دموي أراد تنفيذ سياسة الإبادة والأرض المحروقة تجاه شعبه المطالب بحقه في الحرية. لم يذكر البيان كلمة واحدة عن المذابح التي يرتكبها النظام ضد شعبه وعن قصف المدن بالطائرات الحربية والمدافع والدبابات التي لم تستخدم ولا مرة ضد إسرائيل طوال 40 سنة من أكاذيب المقاومة والتصدي، ولا شعر الموقعون بأي نوع من التعاطف الإنساني مع 23 ألف قتيل وربما مئات الآلاف من المشردين.
أحسن الموقعون بالعنوان، فما تم ارتكابه في هذا البيان-الجريمة لا يمثل إلا الذين وقعوه عليه وليس الدولة ولا المجتمع الأردني الذي يتعاطف مع الشعب السوري الشقيق ويقدم لهم كافة إمكانات المساندة في مواجهة نظام دموي مستبد ساقط لا محالة.
الدستور