بعكس شعوب العالم تختلط الأعياد في العالم العربي ومن خلفه العالم الاسلامي بالسياسة وأزماتها وحروبها وأخيرا بمآسيها الدامية ، لا فرحة صافية ومن يستمع الى خطباء المساجد في صلاة كل عيد لا يسمع الا دعوات الى الله عز وجل بالنجاة وحقن دماء المسلمين او تحرير هذا البلد او ذاك من كيد المعتدين .

ولو كانت هذه الحالة عابرة او مؤقتة لاختلف الامر، ولكن ماذا يعني استمرارها عبر عقود وعهود ؟ واذا أخذنا مقطعا من الزمن يمتد بين الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبين حاضر دمشق وحلب وبغداد في هذا العيد ، لما استطعناء احصاء عدد الضحايا التي سقطت وتسقط ولا الخراب الذي وقع في مدن وحواضر هذه الامة ، دماء كثيرة سفكت علي يد الاحتلال الصهيوني والأمريكي لكنها جزء يسير مما سفك في ساحات الفتن والصراعات والأحقاد باسم الطائفية والتكفير او دفاعا عن كراسي الديكتاتوريات وعقليات عصور الظلام .

ما يجمع بين كل الاحداث التي عصفت وتعصف بالعالم العربي اننا دولا وشعوبا نبني ونعمر مدنا واقتصادات ونقيم دولا ثم لا نلبث ان ندمر ونخرب بايدينا ما انبنى وتعمر ، نقيم مجتمعات ونتحدث عن هويات شعوب وأوطان ثم ننقلب على انفسنا بإعادة انتاج هويات صغيرة بعضها اخرج من كهوف عصور الفتن السحيقة وأخرى قدمت( بأوراق السوليفان) بزعم انها إرادة عصر جديد وتماشيا مع حقوق الانسان ! . لم اقرأ عن أمة تبني على أساسات من الرمال مثل هذه الامة .

واذا اردت ان تسأل عن السبب أو السر في هذه الأوضاع المأساوية . قد اجتهد بالقول ان الخطا يكمن في الأساسات التي اقيمت عليها المجتمعات والدول ،حيث غابت اوغيبت الشعوب عن المشاركة في اقامة أنظمة ما بعد الاستقلال ، والغي دورها في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ، والشعوب في الدول الأمنية بالعالم العربي ينظر اليها ( كضلع قاصر ) او مجموعات من العمال الوافدين الذين يحتاجون الى كفيل . لو ان الانظمة احترمت منذ عهود الاستقلال في النصف الثاني من القرن الماضي إرادة الشعوب وصناديق الاقتراع الحرة النزيهة ، لتعمم الوعي الوطني بان الدولة وما عليها هي ملك للجميع ، لا لرئيس ملهم جاء الى الحكم بدبابة فصدق نفسه بانه وعائلته ابن السماء الذي لم تلد بطون النساء مثله .

اكتب كل هذا للقارئ الاردني ليس من اجل ان ازرع اليأس في قلبه في صبيحة هذا العيد المبارك ولكن لأصل الى النتيجة باننا في هذا البلد الطيب بأهله لم نجنِ ما حققنا من عمران ومستويات عالية من التعليم والرعاية الصحية بالمقارنة بمواردنا الوطنية المتواضعة، الا بما اجمعنا عليه منذ عقود طويلة بان يكون شعارنا الاردني المميز ( الانسان أغلى ما نملك ) .

قد تخطئ الدولة وقد تنحرف الحكومات ويغرق بعض المسؤولين بالفساد او الطمع في ثراء او نفوذ ، ونحن كمجتمع وعشائر وأفراد لنا أيضاً في الخطأ نصيب لكن يبقى رأسمالنا جميعا ، كشعب ووطن ودولة ، ان نظل متمسكين بهذا الشعار لانه الوصفة الدائمة للتغلب على الأزمات والخلافات الداخلية التي تجنبنا ما وصلت اليه الدول المجاورة كما ان الاستمرارية والتطور في النظام السياسي هي الحاضنة او القارب في وجه كل الأعاصير ، وما لا نستطيع التغلب عليه اليوم بالحوار نقهره غدا بالحوار والصبر والمثابرة والتمسك بالهدف الأسمى ، ان يكون الانسان الاردني ليس فقط أغلى ما يملكه الوطن بل اعز وأكرم مواطن ، وكل عام والأردن والأردنيين بألف خير .

الرأي