أهزوجة "الأمن والأمان" والحريّة الأردنيّة * قيس عمر العجلوني
18-08-2012 03:41 AM
ظهرت في العامين المنصرمين ، مصطلحاتٌ مستحدثةُ الاستعمال في مجتمعنا ، تحملُ معانٍ لم تحملها من قبل ، وتنتقد سلوكات مجتمعيّة ، وسياسات نظاميّة ، بطريقةِ "على المزاج الأردنيّ" . كمصطلحِ " التسحيج " ، و "الأمن والأمان" ، و " 111 " ، وغيرها الكثير الكثير .
"الأمن والأمان" ؛ واحدٌ من المصطلحات التي استعملت في المكان غير المناسب ، وظُلمت كثيرا . سأخصص هذا المقال للحديث عنها .
انقسم شعبُنا الأردنيّ في استخدام هذا المصطلح إلى قسمين واضحين ، الأوّل انتقد الثاني ، والثاني انتقد الأوّل . قسمٌ قال : إنّ الأمن الذي يتمتع به الأردن ، تاجٌ على رؤؤس الأردنيين ، ونعمةٌ قد أمنّ الله بها على هذا البلد المبارك . وقد صدقوا في هذا ، فمستوى الأمن في الأردن مرتفع ، ويتعالى على معظم دول العالم الحديث وأكثرها قوّة . لكنّ هذا القسم أخطأ ؛ عندما وجّه أصابع الإتهام ، إلى الحراك الأردنيّ الشريف ، الذي كان سببا مباشرا في محاكمة الكثير من الفاسدين ، والذي أكدّ وأكدّ على لزومية الإصلاح الشامل ، وكونه الخيار الوحيد .
ردَّ القسم الآخر من مجتمعنا الأردنيّ النقدَ بالنقد ؛ فقال : إنّ الأمان ذلٌّ وعارٌ علينا إن خُيّطت أفواهنا ، لا نريدُ أمنًا دون حريّةٍ واصلاحٍ شاملٍ ، وحكوماتٍ منتخبةٍ ، والكثير الكثير من المطالب والحقوق المشروعة . وقد صدقوا في هذا ، فالأمان دون حريّةٍ كورقةٍ دون قلمٍ ، بل أشدُّ ظُلما . لكنهم أخطؤوا ؛ عندما نسوا مستوى الحريّة "المسؤولة" الذي يعيشه الأردن ؛ فهو مرتفعٌ ، ويتعالى على أقوى دول العالم الحديث وأكثرها قوةً . نعم ، فاليوم كمواطن أردنيّ أنتقد كلّ من أخطأ ، كائنا من كان في وطني ، دون أدنى خوف أو تردد . وبالأمس لم يعدَم أيّ أردنيّ في قضيّة سياسيّة – حسب علمي - ، وهذا نهجٌ هاشميّ عادل نفتخر فيه .
الحريّة المسؤولة ، التي لا تعتدي على بشر أو حقوق ، التي لا تعتدي على ممتلكات عامة أو خاصة ، التي لا تغلق الشوارع وتحرق " النعمة " فيها ، التي لا تساهم في العنف المجتمعيّ ، التي لا تجيّش عبيد الجاهليّة للدفاع عن فاسد مقيت ، التي لا تُبيح العريّ وتسترجع الزمن الجاهليّ ؛ الحريّة التي تحافظ على الرقيّ الأخلاقيّ الذي جاء الدين الحقّ ليتمّمه .
الفرقُ بين حريّتِنا وحريّةِ الغرب ؛ كالفرقِ بين الحقِّ والباطل ؛ الحقُّ ينهضُ بالبشريّة ، والباطلُ يدمّرُها - وإن نهض بأزيائها الظاهريّة
" 26.2 % من الشعب الأمريكي مصاب باختلالات عقلية قابلة للتشخيص " دراسة أجريت في عام 2004 . تبعا لتلك الدراسة نفسها : " حوالي ستة ملايين أمريكي يعانون من مرض ثنائي القطب " هذا مرض نفسيّ خطير ، قد يؤدي بصاحبه إلى القتل أو الإنتحار . تقول وما علاقة هذا بذاك ؟! أقول : "إنّ الحريّة وشكلها ، ملتصقتان براحة الإنسان ، وسلامة نفسه وفكره" .
الذي سيقضي على الغرب ؛ هو أنفسهم ؛ هو حريّتهم شبه المطلقة ؛ هو عريّهم ، وتخلّفهم الأخلاقي ، هو "إيدزهم" ، هو حفلات الإنتحار الجماعيّة التي تنتشر عندهم ؛ هو أمراضهم النفسيّة ، هو ارهابهم ؛ فالإرهاب لا دين له ، كما أوهمونا وأوهموا أنفسهم ؛ بل الإرهابُ : تعصبٌّ فكريّ ، ومرضٌ نفسي ، جذرَه حريّة شبه مطلقة ، أو حريّة معدومة .
نعود إلى الأمن والأمان في وطننا الحبيب ؛ إنّ هذا الأمن لإنجازٌ عظيم يُحسب للنظام الأردنيّ ، وللشعب الأردنيّ ، وللأجهزة الأمنية الأردنيّة ، التي نفاخر بها العالم كلّه ؛ و ما أجملها من لحظة حين يعتذر شرطيّ لمواطن يكبره في السنّ ؛ لأنّه أوقف سيّارته بالخطأ ؛ حفاظا على أمنه . وما اجملها من لحظة حين يخرج المواطن فجرا إلى صلاته مطمئنا ، وما أجملها من لحظة حين تشعر الأردنَ كلّها ملك لك كمواطنٍ أردنيّ ، تعشقها وتحافظ عليها . فما اجملها من كرامة ، تلك التي يحملها المواطن الأردنيّ في دمه .
الأمانُ شرطٌ أساسيٌّ للحريّة ، والإمان دون حريّةٍ كورقةٍ دون قلم ، بل أشدُّ ظُلما .
نسأل الله النهضة ولا سواها ، ونعلم إنّ كلّ الإمكانات متاحة لها .