بخلو جدول أعمال الدورة الاستثنائية الثانية لمجلس الأمة من أي بند يسمح بتعديل جديد على قانون الانتخاب، يكون الرهان على نسخة ثالثة من القانون قد انقضى.
قراءة المشهد السياسي وتطوراته كانت تومئ بذلك. لم يكن في الأفق حل "تشاركي" بتعبير الصديق د. مروان المعشر، مع الاحترام لنواياه الحسنة. فقد تشكلت حالة من الشد والعناد أقرب إلى حالة كسر العظم بين النخبة الحاكمة من جهة، وبين جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من جهة أخرى.
النخبة الحاكمة تريد أن تتحكم بمسيرة الإصلاح السياسي: وتيرته وسقفه، بما يسمح بتغيرات في قواعد اللعبة السياسية والبرلمانية، ولكن بسقف "مأمون" لا يُحدث هزات سياسية تؤثر على مكاسبها ودورها القيادي، مع استعداد للتجديد في قياداتها وأساليب حكمها. ولتحقيق هذه الغاية، تعرض "اللعبة الديمقراطية النزيهة" بين مكوناتها أولا وأساسا، ومع المعارضة التقليدية والصاعدة ثانيا؛ وما تحقق من إصلاحات دستورية وتشريعية، وتوفير بيئة ديمقراطية للتنافس بين مكونات القاعدة الاجتماعية والسياسية للحكم.
وتعرض النخبة الحاكمة الحكومة البرلمانية كمخرج وبديل عن حكومات "التلزيم" والأقارب والمحاسيب، لأن هذه الطريقة البائسة في الحكم وإدارة البلاد سقطت وثبت فشلها ومسؤوليتها عن الخراب الذي لحق بالبلاد والعباد. لكن خيوط اللعبة تظل في أيد أمينة، ما دام التنافس مع القوى السياسية والاجتماعية المعارضة محدودا ومحكوما بسقف يضمنه قانون الانتخاب الجديد الذي جاء محكوما بهذه الاعتبارات.
في المقابل، اندفعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مواجهة شاملة مع النخبة الحاكمة، وبنت تحالفات لمعركة كسر قواعد اللعبة السياسية والبرلمانية التي تعرضها هذه النخبة. ورفعوا في مواجهتها برنامج "النقاط الست"، وهو الاسم الحركي "للملكية الدستورية"، وتمترسوا خلف هذا البرنامج الراديكالي. وقادهم التطرف والمغالاة إلى أن يزاودوا على حلفائهم من شخصيات عامة وقوى حزبية من لحمهم ودمهم؛ فقاطعوا كل أشكال ودعوات الحوار، وأعلنوا أن "ليس لديهم وقت لإضاعته في الحوار مع الحكومة".
تصلب وتشنج للحصول على كل شيء أو لا شيء. وبات واضحا وضوح الشمس أن هذه "الصحوة الثورية" الطارئة على خطاب "الإخوان" وسلوكهم السياسي، سببها صراع الإرادات والمصالح في "البيت الإخواني"، ونزعة إثبات الذات والحضور في مرحلة شهدت صعود الإسلام السياسي إلى السلطة في أكثر من بلد عربي. أما المرونة اللفظية والاستعداد المفاجئ للحوار الذي أبداه بعض زعامات "الإخوان"، فهو لإيهام الذات والآخرين بالمرونة السياسية، والإيحاء بأن الدولة وحدها المتصلب والمتشدد.
أخطاء سياسية فادحة ارتكبها "الإخوان" الذين اختاروا "النأي بالنفس" على المشاركة في العملية السياسية الجارية، والمساهمة في تطويرها من داخلها. وسيندم "الإخوان" على مقاطعتهم وهروبهم إلى الأمام. صحيح أن "الإخوان" حافظوا على وحدتهم التنظيمية بالانسحاب من العملية السياسية، لكن هذا "التوحد" مصطنع، لأنه كان مشروطا بخيار واحد، وهو: البقاء على الشجرة.
الإخوان بتصلبهم وتكتيكاتهم القاصرة أعطوا الدولة حجة قوية للتمسك الحرفي بخطتها للإصلاح، وأخافوا آخرين من نواياهم وأجندتهم الإصلاحية. تأمل النخبة الحاكمة بإجراء الانتخابات النيابية بمعايير النزاهة وبمشاركة معقولة من الناخبين، لتربح الجولة. ويراهن "الإخوان" على فشل الانتخابات، وقد أصبح فشلها هدفا "وطنيا".
ليس وقت التلاوم، لكن كان بالإمكان أحسن مما كان. والأحسن هنا ليس بالتأكيد تبني برنامج "الإخوان" لأن فيه حرقا للمراحل، بل تعديلات دستورية أنضج، تعزز الفصل بين السلطات، وتقوي سلطة البرلمان، وكذلك تبني قانون انتخاب يعتمد القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، فهذا خيار التحول الآمن نحو النظام النيابي الملكي الديمقراطي بمشاركة أوسع. المصلحة الوطنية تقضي بإنجاح الانتخابات: تسجيلا وترشيحا وانتخابا. أما المقاطعة، فهي دعم صاف، وإسناد حقيقي للتيار المحافظ وقوى الشد العكسي في الدولة والمجتمع.
bassam.haddahdin@alghad.jo
الغد