حتى اعتقال الوزير ميشال سماحة ، كان المعتقل اللبناني الأشهر هو شادي المولوي ، المتهم بتهريب السلاح وبعمليات تنظيمية ارهابية مذهبية في شمال لبنان ، لكن معتقلا آخر تقدم أمس الى واجهة الصورة عبر شريط فيديو كذلك الذي كان يظهر فيه ايمن الظواهري او غيره من قيادات القاعدة .
الرجل هو عبد الله زريقات، اعتقلته مخابرات الجيش اللبناني قبل أشهر بتهمة تنظيم خلايا ارهابية لصالح تنظيم القاعدة في لبنان ، لكن دار الافتاء تدخلت على الفور وفرضت الافراج عنه من دون التحقيق معه. اختفى الرجل، وظهر بالأمس في شريط فيديو باسم تنظيم القاعدة كتائب عبد الله عزام ، يهدد لبنان ويتوعد الجميع بانهم لن يروا النوم ، معتمدا على الخلايا التي تركها وراءه في لبنان.
لا شك في أن دار الافتاء صادقة في التصريح الذي سارعت اليه بالامس ، من انها كانت سترفع الغطاء عن زريقات لو عرفت بانتمائه للقاعدة او لاي تنظيم ارهابي . ولكنه السؤال : ما الذي يعرض مرجعا دينيا ساميا ، ووطنيا، كدار الافتاء للتورط في امر كهذا ، وللوقوف امام الكاميرات للدفاع عن نفسه ؟ بل ما الذي يمنع عن هذا الموقع الكبير وضوح الرؤية ، او يخدعه ويجره الى التدخل في امور غامضة وصغيرة ومسيئة لمقامه الذي يفترض به ان يكون مترفعا عن عصبيات العامة وضامنا للعدالة والحق والامن الاجتماعي ؟ وبشكل اعمق ما الذي يدخل المراجع الدينية ، اسلامية ومسيحية في قضايا سياسية وامنية يفترض انها من اختصاص اجهزة الدولة المدنية ، وان المراجع هي فوقها معنويا وقيميا؟
انه المنطق المذهبي والطائفي ، الذي كان علة لبنان ، فاصبح وباء مستشريا كالطاعون في العالم العربي . ولكن المفتي قباني اظهر في الفترات الاخيرة توجها مقاوما لهذا الوباء ، وبادر الى جملة تحركات حكيمة على هذا الطريق، منها اللقاءات مع رؤساء جميع الطوائف الاخرى وجمع على مائدة الافطار جميع ممثلي المذاهب الاسلامية بمن فيهم شيخ الطائفة العلوية. فمن الذي خدعه في قضية زريقات؟
بين اطلاق سراح زريقات وظهوره في الفيديو امس ، كانت قصة شادي المولوي ، الرجل الذي وصل ملفه لدى الجهات الامنية ومخابرات الجيش الى الفي صفحة ، من تهريب السلاح ، الى تنظيم وتدريب خلايا مليشياوية ، الى الفتنة المذهبية في شمال لبنان، الى التدخل في سورية عبر تهريب السلاح والمسلحين . اعتقل الرجل فقامت القيامة ولم تقعد الى ان عاد مكرما معززا في سيارة الوزير محمد الصفدي ، لتكون الصدمة الكبرى في التصريح للاعلام بان قوى الامن لا تستطيع تحدي الطائفة السنية باعتقال المولوي .
فاي تقزيم لطائفة كبيرة في تاريخها ودورها الوطني ، طائفة قدمت للبنان في شماله نفسه عبد الحميد ورشيد كرامي ؟ واذا كان من الطبيعي ان تضم كل طائفة كما كل عائلة المجرمين والشرفاء ، الرعاع والابطال ، العلماء والجهلة ..الخ فلماذا يجب ان تجند روح سنة لبنان للدفاع عن مجرمين ؟ ولماذا لم تدافع يوما عن ضابط شريف كبير كالعقيد مصطفى حمدان الذي اعتقل وسجن اربع سنوات زورا وتجنيا ؟
من هذا السؤال الاخير تتضح المشكلة ، فمصطفى حمدان لم يكن يخدم السياسة الامريكية الصهيونية، ووكلاءها من العرب، في زرع الفتنة المذهبية ، وكان اعتقاله ، مثل اطلاق سراح الاخرين ، عملية ضمن سياق الحرب التي تشن على سورية وفريق المقاومة وحلفائها في لبنان . سياق لا تخرج عنه اهزوجة احمد الاسير ولا اعتقال ميشال سماحة الذي بات معروفا ان من اوقع به هو عميل اسرائيلي تم تهريبه من البلاد قبل اعتقال سماحة باربعة ايام ، وكان مسؤولا امنيا لدى الوزير محمد الصفدي نفسه، رافقه حتى في سفراته الى الخارج . و كان يجمعه بسماحة على عشاء عائلي في منزله .
واذا كان فرع المعلومات وتحديدا العقيد وسام الحسن هو من رتب قصة سماحة كلها ، وتلقى عليها التهاني ، فلماذا لم يسع الى جمع الدلائل على عبد الله زريقات وتقديمها لمقام دار الافتاء ، كي يجنبها هذا الاحراج الذي هي اكبر منه ؟ هل كان هناك من يريد لها ذلك بعد الخلافات التي حصلت بينها وبين بعض الجهات الداخلية المرتبطة بجهات عربية معروفة ؟ هل هناك من يريد عرقلة دورها الوطني؟
العرب اليوم